الثورة البلشفية عام 1917 في ذاكرة العراقيين

اندلعتْ ثورة اكتوبر في روسيا عام 1917 وكان لها صدى في العراق، اذ عرف الناس ان حدثاً مهما حصل في روسيا وهو ضد الاغنياء ولمنفعة الفقراء هذا ما تناقله الناس في بغداد والمدن العراقية الكبيرة. ويذكر السيد عبد الله جدوع (وهو من الاشتراكيين القدامى) وقد كان يعمل آنذاك في مدينة خانقين ان موظفاً قدم من طهران حدثهم عن ثورة اكتوبر قائلاً: (ان الناس في روسيا اصبحوا سواسية في الحياة الاجتماعية لا فقير ولا غني كل ينال ما يريده ويحصل على ما يصبوا اليه) كما ان قادة ثورة اكتوبر اعلنوا على الفور انسحابهم من الحرب وكشفهم للمعاهدات السرية التي عقدتها دول الحلفاء لتقسيم المناطق التي كانت تخضع لالمانيا وتركيا اذا انتهت الحرب وخسرت هذه الدول، ومن بين تلك المعاهدات معاهدة سايكس- بيكو السرية التي تنص على تقسيم الوطن العربي بين فرنسا وبريطانيا بعد اندحار الدولة العثمانية في الحرب.
واصدرت الحكومة الروسية مرسوم السلم في 26 اكتوبر 1917 جاء فيه: (ان حكومة العمال والفلاحين المستندة الى سوفيتيات نواب العمال والجنود والفلاحين تقترح على جميع الشعوب المتحاربة وحكوماتها ان تسرع على الفور بمفاوضات في سبيل صلح ديمقراطي عادل).
كانت القطعات الروسية في شمال العراق وجهاً لوجه مع القوات العثمانية وحينما اندلعت الثورة في روسيا وصل الامر الى القوات الروسية في العراق بايقاف القتال.
في حين كان الكرد العراقيون بمواجهتهم شعروا في احد الايام بحركة غير عادية في معسكرات الروس وسمعوا صوت طلقات متفرقة هناك وشاهدوا بعض الجنود يلوحون لهم باعلام بيض داعين اياهم الى وقف القتال ولم يدرك الجند العراقيون السبب الحقيقي لرفع الاعلام البيض والدعوة الى ايقاف القتال، ولكن انكشف لهم الامر بعد ذلك بقليل اذ قام احد الجنود الروس بمغامرة جريئة اذ عبر نهر ديالى سباحة واخبر القطعات العثمانية بان الوحدات الروسية بلغت بامر وقف اطلاق النار.
دفعت اخبار الثورة الروسية التي عرفت في العراق حكومة الاحتلال البريطاني ان تقابلها باعلام مشوه وذلك من خلال الصحف التي كانت تمول من الاحتلال، فكتبت جريدة العرب مقالا بعنوان:
(سير الحرب والسياسة) جاء فيه: (اكثر ما يقف عليه نظر القارئ في هذه الايام انباء روسية اصبحت مثاراً للفتن والقلاقل والاهواء والنزاعات) ثم قالت: فما بال زعماء الروس الذين تشبهوا بالفرنسيين في ثورتهم لم يتشبهوا بهم في وطنهم فاولئك لم يلقوا سلاحاً بيد العدو بل كان العدو يلقي السلاح بين ايديهم وكان قصد الصحيفة واضحا انها طعنت برجال الثورة بانهم القوا السلاح امام اعدائهم حيث عدت انسحاب روسيا من الحرب بمثابة تخاذل امام الاعداء وهو طعن في غير موضعه كما لا يخفى.
وكتبت (مجلة دار السلام) عن الثورة الروسية مقالاً بعنوان (اركان الدولة اربعة، الدين والعدل والمشورة والمال) ثم قالت: (هذه دولة روسية وهذه فتنتها فتن الاحزاب فيها فنحن لا نسمع عنها الا ما يدل على تفاقم الخطب وتعاظم الرزء... لكن هذه عقبى من يمتهن الدين ويتصرف بالاموال تصرفاً يدل على عدم معرفة منزلته). اما جريدة (الاوقات البصرية) فتحدثت عن النظام الروسي وما فيه من عدالة ومساواة ولو بصورة غير مباشرة، اذ قالت (لظهور البلشفية داعيان: الاستياء والميل لاحقاق الحق في العالم بتعميم المساواة والرخاء فكانت نتيجة هذين القولين انغماس العالم في الغوض والشقاء) على انها اضافت قائلة: (سقطت الحكومة في ايدي مجالس العمال الذين لم يكن لهم شيء من الخبرة في ادارة الامور) على ان الجريدة وربما بتوجيه من السلطات البريطانية عبرت من لهجتها نحو الثورة فقالت: (ان الحكومة السوفيتية القائمة على خدمة العامة هي عبارة عن نظام عنف وبطش بالاغنياء والنبلاء وان سيادة حكومة السوفيت او العامة من اعمالها فسخ او نقض حق التملك وفسخ شروط الانتاج التي يتولى امرها اغنياء الامة واصحاب الثراء. وبرغم انتقاص الجريدة من الثورة فانها اوضحت امورا مهمة عنها كان يجهلها الكثيرون فبينت انها حكومة يقودها العمال وانها تريد المساواة والاخاء وهي ضد الملكية وحرب على الاثرياء والمستغلين.
ومع هذا الاعلام الموجه من الاحتلال البريطاني في العراق ضد الثورة الروسية الا ان حكومة الاحتلال بدأت تشعر بالخوف من النظام الجديد في روسيا منذ الايام الاولى للثورة.
لقد اعتقد الانكليز ان هناك تأثيراً للثورة الروسية في العراق مما شجعهم على الثورة عام 1920 ويقول احد المسؤولين الانكليز في العراق عن ثورة 1920 (وباعتقادي ان انتفاضة العرب كانت نتيجة مباشرة لمؤامرة دبرت في سوريا ووقعت في تربة مهيأة لها)، الوفود الايرانية التي زارت كربلاء والنجف والكاظمية ثم كانت متأثرة بالدعوة البلشفية امر من الصعب قوله ومن الممكن ان نلاحظ على اية حال ان حقيقة السيطرة على مدينة انزلي من البلشفية قبيل الانفجار في العراق ساعد بعض الشيء من ان يضيف سبباً اخر في تعقيد المشكلة امامنا كما ابدت المس بيل قبلها من الاخبار التي كانت تصل العراق من سوريا وتروي انباء عن ثورتها، ومد الثورة ليدها بالصداقة الروسية للشعوب المجاورة للعراق فقد ذكرت في احدى رسائلها الى امها مؤرخة في 12/1/1920 تقول فيها: (انك عندما تفتحين الصحف تجدين ان العالم يبدو عاصفاً، لكن المرء لا يحتاج الاطلاع على الصحف ليعرف هذه الحقيقة، ان الترك على الشمال منا يتقبلون دعاية البولشفيك ويميلون للبولشفية الهدامة).
وواصلت الصحف العراقية بتوجيه من حكومة الاحتلال الحديث عن حكومة الثورة الروسية وعن نظامها فقالت جريدة العراق في احد اعدادها: (ان البلشفية اذا تهذبت كما ينبغي لا يقف امام سريانها الحكم المدافع، لان البشر في حاجة كبرى الى تقسيم المنافع الاقتصادية والتمتع بها على صورة متساوية لذلك فانها استمرت)، وفي مقال اخر ذكرت الجريدة (ان الاشتراكية قد تخطت حد النظريات وولجت باب التنفيذ- والعمال يعتنقونها).

سلمت يمنآكـ على الموضوع الرائع
موضوع عآلي بذوقهـ ,, رفيع بشآنهـ
يــ ع ـطيكـ الــ ع ـآآفيهـ على مآطرحت لنآآ يـآآلــ غ ـلآآآ ,,
احتراااامي لشخصك