كشفت دراسة حديثة، صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، أن هناك 12 ألف حالة طلاق سنويًا بسبب إنجاب البنات، ورفض الزوجات الاستمرار في الإنجاب إلى ما لا نهاية، في انتظار الولد، رغم أنهن لسن مسؤولات عنه، وهو ما يؤكد أننا أمام أزمة تعاني منها زوجات كثيرات، عندما يصر أزواجهن على استمرار الإنجاب حتى يأتي الولد!
فماذا يفعلن؟ وما هو حكم الشرع في تلك المشكلة؟ وماذا يقول علماء الدين للرجل الذي يصر على استمرار زوجته في الإنجاب حتى يصل الولد؟
يؤكد الدكتور سالم عبد الجليل، أنه ليس في تعاليم ديننا ما يميز الذكر عن الأنثى، لأن كلاً منهما هبة من الله القائل: «لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ» الآيتان 49-50 سورة الشورى. وبالتالي فإن أمر الإنجاب ونوع المولود راجع إلى مشيئة الله تعالى، ومن المحرم شرعاً الامتعاض أو الاعتراض عليه، سواء في السر أو العلن، وإلا كان من يفعل هذا من أنصار الجاهلية المعاصرة التي تعد امتداداً للجاهلية القديمة التي حذرنا الله منها بقوله: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ» الآيتان 58-59 سورة النحل.
وأشار الدكتور سالم إلى أن الاعتراض على عطية الله، من إنجاب الإناث، هو سلوك الجهال الذين يجهلون أمور الدين قبل الدنيا، بدليل وجود عشرات الأحاديث النبوية التي تبشر أبو البنات بالجنة، وأن السخط على البنات من أخلاق الجاهلية، ويكفي في القبح أن يكره العبد ما وهبه الله ورضيه له، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من سعى على ثلاث بنات فهو في الجنة وكان له كأجر مجاهد في سبيل الله صائماً قائماً».
وأنهى الدكتور سالم عبد الجليل كلامه بالتأكيد أنه ليس من حق الزوج إجبار زوجته على الإنجاب بلا ضوابط أو حدود من أجل الولد، بصرف النظر عن ظروفها الصحية أو الاجتماعية، خاصةً إذا كانت امرأة عاملة، وبالتالي إذا امتنعت فليست ناشزا وإن طلقها بسبب ذلك فهو عاصٍ لله، لأنه أساء استخدام حق الطلاق دون مبرر شرعي.
لا طاعة مع ضرر
أكدت الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات بالزقازيق جامعة الأزهر، أن الزوجة مأمورة شرعاً بطاعة زوجها في غير المعصية، ولا شك أن الإنجاب ليس معصية، لكنه إذا زاد عن الحد المعقول فهو ضار بصحة المرأة فضلاً عن أنها لن تستطيع تربية العشر بنات كما تربي بنتين أو ثلاثاً، وبالتالي فإنها إذا طاوعت زوجها في الإنجاب بلا حدود قد تقع في المحظور شرعاً، وهو إضاعة البنات وعدم تربيتهن على الفضائل والأخلاق ورعايتهن صحياً واجتماعياً، فإذا نفذت رغبة زوجها في الإنجاب بلا ضوابط تكون ممن قال فيهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ».
وأوضحت الدكتورة فايزة خاطر، أن الزوج الساخط المعترض على قضاء الله في إنجاب البنات هو محروم من الجنة، التي بشر بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا البنات حين قال: «من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجاباً من النار يوم القيامة».
ونصحت الدكتورة فايزة خاطر، الزوجة التي ابتلاها الله بزوج لا يتقي الله فيها، ويريد منها الاستمرار في الإنجاب بلا حدود، حتى ولو كان في هذا ضرر بها وبصحتها، اللجوء إلى الحكماء والعقلاء من أهلها وأهله، لإفهامه خطأ منطقه من ناحية الدين والعقل، وهذا التدخل من الأهل هي مأمورة به شرعاً لمحاصرة المشكلات، فقال تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» آية 128 سورة النساء.
حق الاعتراض
أوضح الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن الإسلام يرفض الضرر على أي طرف في أي علاقة إنسانية، وخاصة الزواج الذي جعله الله آية من آياته، لما فيه من رحمة وسكن ومودة، فقال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم.
وأشار إلى أن إجبار الزوجة على الإنجاب من أجل الولد يتنافى بلا شك مع الرحمة والسكن والمودة، وفيه إضرار بها بدنياً ونفسياً وتربوياً، وهذا يخالف قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، ولهذا من حقها الاعتراض لكن بأسلوب لين وبالرفق، حتى لا تكون النتيجة عكسية.
وسائل إقناع
طالبت الدكتورة مريم الدغستاني، رئيسة قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، الزوجة التي ابتلاها الله بزوج لا يفهم أحكام دينه ويجبرها على الإنجاب المستمر، الاستعانة بعلماء الدين الذين يثق فيهم الزوج ويتأثر برأيهم، فيوضحوا له ما فيه من نعمة وخير الدين قبل الدنيا، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاث بنات ينفق عليهن حتى يبن- يقمن- أو يمتن، كُنَّ له حجاباً من النار»، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا وضم إصبعيه - كناية عن قرب الجوار في الجنة».
وأنهت الدكتورة مريم كلامها بالتأكيد على أنه إذا فشلت كل محاولات إصلاح عقل الزوج وإفهامه خطأ وتعنت مطلبه من زوجته، فإن من حقها رفع مظلمتها إلى القاضي لرفع الظلم عنها، والقاضي مطالب بإنصافها وحمايتها من هذا الزوج صاحب التفكير الجاهلي المتخلف، حتى ولو كان يحمل أعلى الدرجات العلمية.
يتبع