اهلا وسهلا بكم في منتديات حزن العشاق .. يمنع نشر الأغاني والمسلسلات والأفلام وكافة الصور المحرّمة ويمنع نشر المواضيع الطائفية... منتدانا ذو رسالة ثقافية وسطية

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-13-2021 ~ 06:34 PM
افتراضي تفسير ابن كثير ( متجدد )
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 1
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات
و الصلاة و السلام على النبي الأمي و على آله و صحبه الكرام أهل العزمات
بإذن الله وبتوفيقه سوف اتناول معكم تفسير العالم الجليل ابن كثير في هذه الصفحات و املي ان ينفعني الله و إياكم و بتوفيقه و يتقبل منا و منكم صالح الأعمال، و أن يجعل ثواب ذلك لوالدينا و لمن له حقا علينا.
و سوف ابدأ معكم من سورة الفاتحة، ثم من الناس إلى البقرة، و ذلك لكثرة حفظ الناس لقصار السور
و الله ولي التوفيق و السداد
و السلام


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس
قديم 02-13-2021 ~ 06:40 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 2
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


ابن كثير

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَظ°نِ الرَّحِيمِ [الفاتحة : 1]
( بسم الله الرحمن الرحيم )

يقال لها : الفاتحة ، أي فاتحة الكتاب خطا ، و بها تفتح القراءة في الصلاة ، و يقال لها أيضا : أم الكتاب عند الجمهور ، و كره أنس ، و الحسن و ابن سيرين كرها تسميتها بذلك ، قال الحسن و ابن سيرين : إنما ذلك اللوح المحفوظ ، و قال الحسن : الآيات المحكمات : هن أم الكتاب ، و لذا كرها - أيضا - أن يقال لها أم القرآن و قد ثبت في [ الحديث ] الصحيح عند الترمذي و صححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحمد لله أم القرآن و أم الكتاب و السبع المثاني و القرآن العظيم و يقال لها : الحمد ، ويقال لها : الصلاة ، لقوله عليه السلام عن ربه : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي الحديث . فسميت الفاتحة صلاة ؛ لأنها شرط فيها . و يقال لها : الشفاء ؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا : فاتحة الكتاب شفاء من كل سم . و يقال لها : الرقية ؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : و ما يدريك أنها رقية ؟ . و روى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها : أساس القرآن ، قال : فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم ، و سماها سفيان بن عيينة : الواقية . و سماها يحيى بن أبي كثير : الكافية ؛ لأنها تكفي عما عداها و لا يكفي ما سواها عنها ، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة : أم القرآن عوض من غيرها ، و ليس غيرها عوضا عنها . و يقال لها : سورة الصلاة و الكنز ، ذكرهما الزمخشري في كشافه . و هي مكية ، قاله ابن عباس و قتادة و أبو العالية ، و قيل مدنية ، قاله أبو هريرة و مجاهد و عطاء بن يسار و الزهري . و يقال : نزلت مرتين : مرة بمكة ، و مرة بالمدينة ، و الأول أشبه لقوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] ، و الله أعلم .
و حكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة و نصفها الآخر نزل بالمدينة ، و هو غريب جدا ، نقله القرطبي عنه . و هي سبع آيات بلا خلاف ، [ و قال عمرو بن عبيد : ثمان ، و قال حسين الجعفي : ستة و هذان شاذان ] .
و إنما اختلفوا في البسملة : هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة و التابعين و خلق من الخلف ، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية ، كما هو قول أهل المدينة من القراء و الفقهاء ؟ على ثلاثة أقوال ، سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى ، و به الثقة .

قالوا : و كلماتها خمس و عشرون كلمة ، و حروفها مائة و ثلاثة عشر حرفا .
قال البخاري في أول كتاب التفسير : و سميت أم الكتاب سورة الفاتحة ، لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، و يبدأ بقراءتها في الصلاة و قيل : إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته .
قال ابن جرير : و العرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر - إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع - أما ، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ ، أم الرأس ، ويسمون لواء الجيش و رايتهم التي يجتمعون تحتها أما ، و استشهد بقول ذي الرمة :

على رأسه أم لنا نقتدي بها جماع أمور ليس نعصي لها أمرا

يعني : الرمح .
قال : و سميت مكة : أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها ، و قيل : لأن الأرض دحيت منها .

و يقال لها أيضا : الفاتحة ؛ لأنها تفتتح بها القراءة ، و افتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام ، و صح تسميتها بالسبع المثاني ، قالوا : لأنها تثنى في الصلاة ، فتقرأ في كل ركعة ، و إن كان للمثاني معنى آخر غير هذا ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله .
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا ابن أبي ذئب و هاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لأم القرآن : هي أم القرآن ، و هي السبع المثاني ، و هي القرآن العظيم . ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به ، و قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : هي أم القرآن ، و هي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني .
و قال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا محمد بن غالب بن حارث ، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي ، ثنا المعافى بن عمران ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن نوح بن أبي بلال ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن ، و هي السبع المثاني و القرآن العظيم ، وهي أم الكتاب .

و قد رواه الدارقطني أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه أو مثله ، و قال : كلهم ثقات .
و روى البيهقي عن علي و ابن عباس و أبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى : ( سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] بالفاتحة ، و أن البسملة هي الآية السابعة منها ، و سيأتي تمام هذا عند البسملة .

و قد روى الأعمش عن إبراهيم قال : قيل لابن مسعود : لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟
قال : لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة . قال أبو بكر بن أبي داود : يعني حيث يقرأ في الصلاة ، قال : و اكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها .

و قد قيل : إن الفاتحة أول شيء نزل من القرآن ، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة هذا [ أحدها ].
و قيل : ( يا أيها المدثر كما في حديث جابر في الصحيح .
و قيل : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ العلق : 1 ] و هذا هو الصحيح ، كما سيأتي تقريره في موضعه ، و الله المستعان.

ذكر ما ورد في فضل الفاتحة

قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل - رحمه الله - في مسنده : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، حدثني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى - - قال : كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلم أجبه حتى صليت و أتيته ، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ .
قال : قلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلي .
قال : ألم يقل الله : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد . قال : فأخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن . قال : نعم ، الحمد لله رب العالمين هي : السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيته .

و هكذا رواه البخاري عن مسدد ، و علي بن المديني ، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان ، به . و رواه في موضع آخر من التفسير ، و أبو داود ، و النسائي ، و ابن ماجه من طرق عن شعبة ، به . و رواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، عن أبي بن كعب ، فذكر نحوه .

و قد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس ، ما ينبغي التنبيه عليه ، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي : أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبرهم ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نادى أبي بن كعب ، و هو يصلي في المسجد ، فلما فرغ من صلاته لحقه ، قال : فوضع النبي صلى الله عليه و سلم يده على يدي ، و هو يريد أن يخرج من باب المسجد ، ثم قال : إني لأرجو ألا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الفرقان مثلها .
قال أبي : فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك ، ثم قلت : يا رسول الله ، ما السورة التي وعدتني ؟
قال : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟
قال : فقرأت عليه : ( الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هي هذه السورة ، و هي السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أعطيت . فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى ، كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول و من تبعه ، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري ، و هذا تابعي من موالي خزاعة ، و ذاك الحديث متصل صحيح ، و هذا ظاهره أنه منقطع ، إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب ، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم ، و الله أعلم . على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه كما قال الإمام أحمد :

حدثنا عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي بن كعب ، و هو يصلي ، فقال : يا أبي ، فالتفت ثم لم يجبه ، ثم قال : أبي ، فخفف . ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : السلام عليك أي رسول الله . فقال : و عليك السلام [ قال ] : ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني ؟ . قال : أي رسول الله ، كنت في الصلاة ، قال : أولست تجد فيما أوحى الله إلي استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] . قال : بلى يا رسول الله ، لا أعود ، قال : أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان مثلها ؟ قلت : نعم ، أي رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لأرجو ألا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي يحدثني ، و أنا أتبطأ ، مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث ، فلما دنونا من الباب قلت : أي رسول الله ، ما السورة التي وعدتني قال : ما تقرأ في الصلاة ؟ .
قال : فقرأت عليه أم القرآن ، قال : و الذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور ، و لا في الفرقان مثلها ؛ إنها السبع المثاني . و رواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الدراوردي ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره ، و عنده : إنها من السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أعطيته ، ثم قال : هذا حديث حسن صحيح .

و في الباب ، عن أنس بن مالك ، ورواه عبد الله بن [ الإمام ] أحمد ، عن إسماعيل بن أبي معمر ، عن أبي أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، فذكره مطولا بنحوه ، أو قريبا منه .
و قد رواه الترمذي و النسائي جميعا عن أبي عمار حسين بن حريث ، عن الفضل بن موسى ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أنزل الله في التوراة و لا في الإنجيل مثل أم القرآن ، و هي السبع المثاني ، و هي مقسومة بيني و بين عبدي ، هذا لفظ النسائي . و قال الترمذي : حسن غريب .

و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا هاشم ، يعني ابن البريد حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن جابر ، قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد أهراق الماء ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فلم يرد علي . قال : فانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي ، و أنا خلفه حتى دخل رحله ، و دخلت أنا المسجد ، فجلست كئيبا حزينا ، فخرج علي رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد تطهر ، فقال : عليك السلام و رحمة الله ، و عليك السلام ورحمة الله ، و عليك السلام و رحمة الله ، ثم قال : ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخير سورة في القرآن ؟
قلت : بلى يا رسول الله . قال : اقرأ : الحمد لله رب العالمين ، حتى تختمها . هذا إسناد جيد ، و ابن عقيل تحتج به الأئمة الكبار ، وعبد الله بن جابر هذا هو الصحابي ، ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي ، و الله أعلم .
و يقال : إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي ، فيما ذكره الحافظ ابن عساكر . و استدلوا بهذا الحديث و أمثاله على تفاضل بعض الآيات و السور على بعض ، كما هو المحكي عن كثير من العلماء ، منهم : إسحاق بن راهويه ، و أبو بكر بن العربي ، و ابن الحصار من المالكية . و ذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك ؛ لأن الجميع كلام الله ، و لئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه ، وإن كان الجميع فاضلا ، نقله القرطبي عن الأشعري ، و أبي بكر الباقلاني ، و أبي حاتم بن حبان البستي ، و يحيى بن يحيى ، و رواية عن الإمام مالك [ أيضا ] .

حديث آخر : قال البخاري في فضائل القرآن : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا وهب ، حدثنا هشام ، عن محمد بن معبد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنا في مسير لنا ، فنزلنا ، فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم ، و إن نفرنا غيب ، فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية ، فرقاه ، فبرئ ، فأمر له بثلاثين شاة ، و سقانا لبنا ، فلما رجع قلنا له : أكنت تحسن رقية ، أو كنت ترقي ؟
قال : لا ما رقيت إلا بأم الكتاب ، قلنا : لا تحدثوا شيئا حتى نأتي ، أو نسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : و ما كان يدريه أنها رقية ، اقسموا و اضربوا لي بسهم .

و قال أبو معمر : حدثنا عبد الوارث ، حدثنا هشام ، حدثنا محمد بن سيرين ، حدثني معبد بن سيرين ، عن أبي سعيد الخدري بهذا .

و هكذا رواه مسلم ، وأبو داود من رواية هشام ، و هو ابن حسان ، عن ابن سيرين ، به . و في بعض روايات مسلم لهذا الحديث : أن أبا سعيد هو الذي رقى ذلك السليم ، يعني : اللديغ ، يسمونه بذلك تفاؤلا .

حديث آخر : روى مسلم في صحيحه ، و النسائي في سننه ، من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم ، عن عمار بن رزيق ، عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم و عنده جبريل ، إذ سمع نقيضا فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : هذا باب قد فتح من السماء ، ما فتح قط . قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، و خواتيم سورة البقرة ، و لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته . و هذا لفظ النسائي .

و لمسلم نحوه حديث آخر : قال مسلم : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، هو ابن راهويه ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن العلاء ، يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام . فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام ، قال : اقرأ بها في نفسك ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : قال الله عز و جل : قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] ، قال الله : حمدني عبدي ، و إذا قال : ( الرحمن الرحيم [ الفاتحة : 3 ] ، قال الله : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] ، قال مجدني عبدي - و قال مرة : فوض إلي عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] ، قال : هذا بيني وبين عبدي ، و لعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ الفاتحة : 6 ، 7 ] ، قال هذا لعبدي و لعبدي ما سأل .

و هكذا رواه النسائي ، عن إسحاق بن راهويه . و قد روياه - أيضا - عن قتيبة ، عن مالك ، عن العلاء ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبي هريرة ، به و في هذا السياق : فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل .

و كذا رواه ابن إسحاق ، عن العلاء ، و قد رواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن العلاء ، عن أبي السائب هكذا .

و رواه - أيضا - من حديث ابن أبي أويس ، عن العلاء ، عن أبيه و أبي السائب ، كلاهما عن أبي هريرة .

و قال الترمذي : هذا حديث حسن ، و سألت أبا زرعة عنه فقال : كلا الحديثين صحيح ، من قال : عن العلاء ، عن أبيه ، و عن العلاء عن أبي السائب .

و قد روى هذا الحديث عبد الله ابن الإمام أحمد ، من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب مطولا .

قال ابن جرير : حدثنا صالح بن مسمار المروزي ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا عنبسة بن سعيد ، عن مطرف بن طريف ، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، و له ما سأل ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين قال : حمدني عبدي ، و إذا قال : ( الرحمن الرحيم قال : أثنى علي عبدي . ثم قال : هذا لي ، و له ما بقي

و هذا غريب من هذا الوجه .

ثم الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه :

أحدها : أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة ، و المراد القراءة كقوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) [ الإسراء : 110 ] ، أي : بقراءتك كما جاء مصرحا به في الصحيح ، عن ابن عباس و هكذا قال في هذا الحديث : قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل ثم بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة في الصلاة فدل على عظم القراءة في الصلاة ، و أنها من أكبر أركانها ، إذ أطلقت العبادة و أريد بها جزء واحد منها و هو القراءة ؛ كما أطلق لفظ القراءة و المراد به الصلاة في قوله : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) [ الإسراء : 78 ] ، و المراد صلاة الفجر ، كما جاء مصرحا به في الصحيحين : من أنه يشهدها ملائكة الليل و ملائكة النهار ، فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة ، و هو اتفاق من العلماء .

و لكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني ، و ذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب ، أم تجزئ هي أو غيرها ؟
على قولين مشهورين ، فعند أبي حنيفة و من وافقه من أصحابه و غيرهم أنها لا تتعين ، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة ، و احتجوا بعموم قوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، وبما ثبت في الصحيحين ، من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن قالوا : فأمره بقراءة ما تيسر ، و لم يعين له الفاتحة و لا غيرها ، فدل على ما قلناه .

و القول الثاني : أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ، و لا تجزئ الصلاة بدونها ، و هو قول بقية الأئمة : مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل و أصحابهم و جمهور العلماء ؛ و احتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور ، حيث قال - صلوات الله و سلامه عليه - : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج و الخداج هو : الناقص كما فسر به في الحديث : غير تمام . و احتجوا - أيضا - بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
و في صحيح ابن خزيمة و ابن حبان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن و الأحاديث في هذا الباب كثيرة ، و وجه المناظرة ها هنا يطول ذكره ، و قد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك ، رحمهم الله .

ثم إن مذهب الشافعي و جماعة من أهل العلم : أنه تجب قراءتها في كل ركعة .
و قال آخرون : إنما تجب قراءتها في معظم الركعات ، و قال الحسن و أكثر البصريين : إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات ، أخذا بمطلق الحديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .

و قال أبو حنيفة و أصحابه و الثوري و الأوزاعي : لا تتعين قراءتها ، بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، [ كما تقدم ] و الله أعلم .

و قد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مرفوعا : لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد و سورة في فريضة أو غيرها . و في صحة هذا نظر ، و موضح تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير ، و الله أعلم .

الوجه الثالث : هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم ؟
فيه ثلاثة أقوال للعلماء :

أحدها : أنه تجب عليه قراءتها ، كما تجب على إمامه ؛ لعموم الأحاديث المتقدمة .

و الثاني : لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة و لا غيرها ، لا في الصلاة الجهرية و لا السرية ، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة و لكن في إسناده ضعف . و رواه مالك ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر من كلامه . و قد روي هذا الحديث من طرق ، و لا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و الله أعلم .

و القول الثالث : أنه تجب القراءة على المأموم في السرية ، لما تقدم ، و لا تجب في الجهرية لما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، و إذا قرأ فأنصتوا و ذكر بقية الحديث .

و هكذا رواه أهل السنن ؛ أبو داود و الترمذي و النسائي وابن ماجه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : و إذا قرأ فأنصتوا . و قد صححه مسلم بن الحجاج أيضا ، فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول و هو قول قديم للشافعي ، رحمه الله ، و رواية عن الإمام أحمد بن حنبل .

و الغرض من ذكر هذه المسائل هاهنا بيان اختصاص سورة الفاتحة بأحكام لا تتعلق بغيرها من السور ، و الله أعلم .

و قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا غسان بن عبيد ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا وضعت جنبك على الفراش ، و قرأت فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت

الكلام على تفسير الاستعاذة

قال الله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، و قال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .

فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها ، و هو أن الله يأمر بمصانعة العدو الإنسي و الإحسان إليه ، ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموادة و المصافاة ، و يأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة ؛ إذ لا يقبل مصانعة و لا إحسانا و لا يبتغي غير هلاك ابن آدم ، لشدة العداوة بينه و بين أبيه آدم من قبل ؛ كما قال تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ) [ الأعراف : 27 ] و قال : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر : 6 ] وقال أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ الكهف : 50 ] ، و قد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين ، و كذب ، فكيف معاملته لنا و قد قال : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) ، و قال تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) [ النحل : 98 ، 99 ]

قالت طائفة من القراء و غيرهم : نتعوذ بعد القراءة ، و اعتمدوا على ظاهر سياق الآية ، و لدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة ؛ و ممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما ذكره ابن قلوقا عنه ، و أبو حاتم السجستاني ، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي في كتاب الكامل .

و روي عن أبي هريرة - أيضا - و هو غريب .

[ ونقله فخر الدين محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال : وهو قول إبراهيم النخعي و داود بن علي الأصبهاني الظاهري ، وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة ، عن مالك ، رحمه الله تعالى ، أن القارئ يتعوذ بعد الفاتحة ، و استغربه ابن العربي . و حكى قولا ثالثا و هو الاستعاذة أولا و آخرا جمعا بين الدليلين ، نقله فخر الدين ] .

و المشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة لدفع الوسواس فيها ، إنما تكون قبل التلاوة ، و معنى الآية عندهم : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) [ النحل : 98 ] أي : إذا أردت القراءة كقوله : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية [ المائدة : 6 ] أي : إذا أردتم القيام .
و الدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك ؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :

حدثنا محمد بن الحسن بن آتش حدثنا جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي الرفاعي اليشكري ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته و كبر قال : سبحانك اللهم و بحمدك ، و تبارك اسمك ، و تعالى جدك ، و لا إله غيرك . و يقول : لا إله إلا الله ثلاثا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه و نفخه و نفثه .

و قد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي ، وهو الرفاعي ، وقال الترمذي : هو أشهر حديث في هذا الباب . و قد فسر الهمز بالموتة و هي الخنق ، و النفخ بالكبر ، و النفث بالشعر . كما رواه أبو داود و ابن ماجه من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عاصم العنزي ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين دخل في الصلاة ، قال : الله أكبر كبيرا ، ثلاثا ، الحمد لله كثيرا ، ثلاثا ، سبحان الله بكرة و أصيلا ثلاثا ، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه و نفخه و نفثه .

قال عمرو : و همزه : الموتة ، و نفخه : الكبر ، و نفثه : الشعر .

و قال ابن ماجه : حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، و همزه و نفخه و نفثه .

قال : همزه : الموتة ، و نفثه : الشعر ، و نفخه : الكبر .

و قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا شريك ، عن يعلى بن عطاء ، عن رجل حدثه : أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله - ثلاث مرات ، و سبحان الله و بحمده ، ثلاث مرات . ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، من همزه و نفخه و نفثه .
و قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي ، حدثنا علي بن هشام بن البريد عن يزيد بن زياد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، قال : تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه و سلم ، فتمزع أنف أحدهما غضبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لأعلم شيئا لو قاله ذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

و كذا رواه النسائي في " اليوم و الليلة " ، عن يوسف بن عيسى المروزي ، عن الفضل بن موسى ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، به .
و قد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل ، عن أبي سعيد ، عن زائدة ، و أبو داود عن يوسف بن موسى ، عن جرير بن عبد الحميد ، والترمذي ، والنسائي في " اليوم والليلة " عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن الثوري ، و النسائي - أيضا - من حديث زائدة بن قدامة ، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، قال : استب رجلان عند النبي ، فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إلي أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه ، فقال النبي : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب ، قال : ما هي يا رسول الله ؟ قال : يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم . قال : فجعل معاذ يأمره ، فأبى [ ومحك ] ، وجعل يزداد غضبا . وهذا لفظ أبي داود . وقال الترمذي : مرسل ، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل ، فإنه مات قبل سنة عشرين .

قلت : وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب ، كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل ، فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة ، م . قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، قال : قال سليمان بن صرد : استب رجلان عند النبي ، ونحن عنده جلوس ، فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول رسول الله قال : إني لست بمجنون .

وقد رواه - أيضا - مع مسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، من طرق متعددة ، عن الأعمش ، به .

وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا ، وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال ، والله أعلم . وقد روي أن جبريل - عليه السلام - أول ما نزل بالقرآن على رسول الله أمره بالاستعاذة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :

حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد قال : يا محمد ، استعذ . قال : أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قال : قل : بسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق قال عبد الله : وهي أول سورة أنزلها الله على محمد ، بلسان جبريل . وهذا الأثر غريب ، وإنما ذكرناه ليعرف ، فإن في إسناده ضعفا وانقطاعا ، والله أعلم .

مسألة : وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها ، وحكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال : وقال ابن سيرين : إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب ، واحتج فخر الدين لعطاء بظاهر الآية : فاستعذ وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي عليها ، ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب . وقال بعضهم : كانت واجبة على النبي دون أمته ، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه .

مسألة : وقال الشافعي في الإملاء ، يجهر بالتعوذ حكم الجهر بالاستعاذة ، وإن أسر فلا يضر ، وقال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة ، واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى : هل يستحب التعوذ فيها ؟ على قولين ، ورجح عدم الاستحباب ، والله أعلم . فإذا قال المستعيذ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد بعضهم : أعوذ بالله السميع العليم ، وقال آخرون : بل يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لمطابقة أمر الآية ، ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور ، والأحاديث الصحيحة - كما تقدم - أولى بالاتباع من هذا ، والله أعلم .

مسألة : ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : بل للصلاة ، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد ، والجمهور بعدها قبل القراءة .

ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث ، وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ، ولا يقبل مصانعة ، ولا يدارى بالإحسان ، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني ، وقال تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ] ، وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر ، ومن قتله العدو البشري كان شهيدا ، ومن قتله العدو الباطني كان طريدا ، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورا ، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا ، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان .

فصل : والاستعاذة معناها : هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر ، والعياذة تكون لدفع الشر ، واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي :

يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به ممن أحاذره لا يجبر الناس عظما أنت كاسره

ولا يهيضون عظما أنت جابره

فصل معنى الاستعاذة

ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أي : أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى ، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل ؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه ، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة ، قوله في الأعراف : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ الأعراف : 199 ] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ، ثم قال : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 200 ] ، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون " : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] ، وقال تعالى في سورة حم السجدة : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .

والشيطان معناه في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير ، وقيل : مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار ، ومنهم من يقول : كلاهما صحيح في المعنى ، ولكن الأول أصح ، وعليه يدل كلام العرب ؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان ، عليه السلام :

أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال

فقال : أيما شاطن ، ولم يقل : أيما شائط .

وقال النابغة الذبياني - وهو : زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان - :

نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهين

يقول : بعدت بها طريق بعيدة .

[ وقال سيبويه : العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل فعل الشيطان ولو كان من شاط ، لقالوا : تشيط ] . والشيطان مشتق من البعد على الصحيح ؛ ولهذا يسمون كل ما تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا ، قال الله تعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ] . وفي مسند الإمام أحمد ، عن أبي ذر - - قال : قال رسول الله : يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن ، فقلت : أوللإنس شياطين ؟ قال : نعم . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر - أيضا - قال : قال رسول الله : يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود . فقلت : يا رسول الله ، ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر فقال : الكلب الأسود شيطان . وقال ابن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب ، ، ركب برذونا ، فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا ، فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلا على شيطان ، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي . إسناده صحيح .

والرجيم معناه : فعيل بمعنى مفعول ، أي : أنه مرجوم مطرود عن الخير كله ، كما قال تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ] ، وقال تعالى : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) [ الصافات : 6 - 10 ] ، وقال تعالى : ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ) [ الحجر : 16 - 18 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . [ وقيل : رجيم بمعنى راجم ؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر ] .

" بسم الله الرحمن الرحيم " افتتح بها الصحابة كتاب الله ، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ، ثم اختلفوا : هل هي آية مستقلة بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة ، أو من أول كل سورة كتبت في أولها ، أو أنها بعض آية من أول كل سورة ، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها ، أو أنها [ إنما ] كتبت للفصل ، لا أنها آية ؟ على أقوال للعلماء سلفا وخلفا ، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع .

وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح ، عن ابن عباس ، ما ، أن رسول الله كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضا ، وروي مرسلا عن سعيد بن جبير . وفي صحيح ابن خزيمة ، عن أم سلمة أن رسول الله قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية ، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي ، وفيه ضعف ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عنها . وروى له الدارقطني متابعا ، عن أبي هريرة مرفوعا . وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما . وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا " براءة " : ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو هريرة ، وعلي . ومن التابعين : عطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والزهري ، وبه يقول عبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمهم الله . وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور ، وقال الشافعي في قول ، في بعض طرق مذهبه : هي آية من الفاتحة وليست من غيرها ، وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة ، وهما غريبان .

وقال داود : هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها ، وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل . وحكاه أبو بكر الرازي ، عن أبي الحسن الكرخي ، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة ، رحمهم الله . هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا . فأما ما يتعلق بالجهر بها بسم الله الرحمن الرحيم ، فمفرع على هذا ؛ فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها ، وكذا من قال : إنها آية من أولها ، وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا ؛ فذهب الشافعي ، رحمه الله ، إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة ، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفا وخلفا ، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، ومعاوية ، وحكاه ابن عبد البر ، والبيهقي عن عمر وعلي ، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة ، وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهو غريب . ومن التابعين : عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وأبي قلابة ، والزهري ، وعلي بن الحسين ، وابنه محمد ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسالم ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وأبي وائل ، وابن سيرين ، ومحمد بن المنكدر ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وابنه محمد ، ونافع مولى ابن عمر ، وزيد بن أسلم ، وعمر بن عبد العزيز ، والأزرق بن قيس ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبي الشعثاء ، ومكحول ، وعبد الله بن معقل بن مقرن . زاد البيهقي : وعبد الله بن صفوان ، ومحمد ابن الحنفية . زاد ابن عبد البر : وعمرو بن دينار .

والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة ، فيجهر بها كسائر أبعاضها ، وأيضا فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم في مستدركه ، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة ، وقال بعد أن فرغ : إني لأشبهكم صلاة برسول الله . وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم .

وروى أبو داود والترمذي ، عن ابن عباس : أن رسول الله كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال الترمذي : وليس إسناده بذاك .

وقد رواه الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : صحيح وفي صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله فقال : كانت قراءته مدا ، ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، يمد " بسم الله " ، ويمد " الرحمن " ، ويمد " الرحيم .

وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، وصحيح ابن خزيمة ، ومستدرك الحاكم ، عن أم سلمة ، قالت : كان رسول الله يقطع قراءته : ( بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين . وقال الدارقطني : إسناده صحيح .

وروى الشافعي ، رحمه الله ، والحاكم في مستدركه ، عن أنس : أن معاوية صلى بالمدينة ، فترك البسملة ، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك ، فلما صلى المرة الثانية بسمل .

وفي هذه الأحاديث ، والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها ، فأما المعارضات والروايات الغريبة ، وتطريقها ، وتعليلها وتضعيفها ، وتقريرها ، فله موضع آخر .

وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة ، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل ، وطوائف من سلف التابعين والخلف ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والثوري ، وأحمد بن حنبل .

وعند الإمام مالك : أنه لا يقرأ البسملة بالكلية ، لا جهرا ولا سرا ، واحتجوا بما في صحيح مسلم ، عن عائشة ، ا ، قالت : كان رسول الله يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب الحمد لله رب العالمين . وبما في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، قال : صليت خلف النبي ، وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون ب الحمد لله رب العالمين . ولمسلم : لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها . ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل ، .

فهذه مآخذ الأئمة - رحمهم الله - في هذه المسألة وهي قريبة ؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر ، ولله الحمد والمنة .

قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره : حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني ، حدثنا سلام بن وهب الجندي ، حدثنا أبي ، عن طاوس ، عن ابن عباس ؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله عن بسم الله الرحمن الرحيم . فقال : هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب .

وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه ، عن سليمان بن أحمد ، عن علي بن المبارك ، عن زيد بن المبارك ، به .

وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن مسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله : إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال المعلم : اكتب ، قال ما أكتب ؟ قال : باسم الله ، قال له عيسى : وما باسم الله ؟ قال المعلم : ما أدري . قال له عيسى : الباء بهاء الله ، والسين سناؤه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرة

وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب : زبريق ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، ومسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي ، فذكره . وهذا غريب جدا ، وقد يكون صحيحا إلى من دون رسول الله ، ويكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات ، والله أعلم .

وقد روى جويبر ، عن الضحاك ، نحوه من قبله .

وقد روى ابن مردويه ، من حديث يزيد بن خالد ، عن سليمان بن بريدة ، وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله قال : أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري ، وهي بسم الله الرحمن الرحيم .

وروى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران ، عن أبيه ، عن عمر بن ذر ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق ، وسكنت الرياح ، وهاج البحر ، وأصغت البهائم بآذانها ، ورجمت الشياطين من السماء ، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه .

[ وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، ليجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد ، ذكره ابن عطية والقرطبي ووجهه ابن عطية ونصره بحديث : فقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها لقول الرجل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفا وغير ذلك ] .

وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، قال : سمعت أبا تميمة يحدث ، عن رديف النبي قال : عثر بالنبي ، فقلت : تعس الشيطان . فقال النبي : لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب .

هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النسائي في اليوم والليلة ، وابن مردويه في تفسيره ، من حديث خالد الحذاء ، عن أبي تميمة هو الهجيمي ، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير ، عن أبيه ، قال : كنت رديف النبي فذكره وقال : لا تقل هكذا ، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ، ولكن قل : بسم الله ، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة . فهذا من تأثير بركة بسم الله ؛ ولهذا تستحب في أول كل عمل بسم


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس
قديم 02-13-2021 ~ 06:40 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 3
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


ابن كثير

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة : 1]
( بسم الله الرحمن الرحيم )

يقال لها : الفاتحة ، أي فاتحة الكتاب خطا ، و بها تفتح القراءة في الصلاة ، و يقال لها أيضا : أم الكتاب عند الجمهور ، و كره أنس ، و الحسن و ابن سيرين كرها تسميتها بذلك ، قال الحسن و ابن سيرين : إنما ذلك اللوح المحفوظ ، و قال الحسن : الآيات المحكمات : هن أم الكتاب ، و لذا كرها - أيضا - أن يقال لها أم القرآن و قد ثبت في [ الحديث ] الصحيح عند الترمذي و صححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحمد لله أم القرآن و أم الكتاب و السبع المثاني و القرآن العظيم و يقال لها : الحمد ، ويقال لها : الصلاة ، لقوله عليه السلام عن ربه : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي الحديث . فسميت الفاتحة صلاة ؛ لأنها شرط فيها . و يقال لها : الشفاء ؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا : فاتحة الكتاب شفاء من كل سم . و يقال لها : الرقية ؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : و ما يدريك أنها رقية ؟ . و روى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها : أساس القرآن ، قال : فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم ، و سماها سفيان بن عيينة : الواقية . و سماها يحيى بن أبي كثير : الكافية ؛ لأنها تكفي عما عداها و لا يكفي ما سواها عنها ، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة : أم القرآن عوض من غيرها ، و ليس غيرها عوضا عنها . و يقال لها : سورة الصلاة و الكنز ، ذكرهما الزمخشري في كشافه . و هي مكية ، قاله ابن عباس و قتادة و أبو العالية ، و قيل مدنية ، قاله أبو هريرة و مجاهد و عطاء بن يسار و الزهري . و يقال : نزلت مرتين : مرة بمكة ، و مرة بالمدينة ، و الأول أشبه لقوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] ، و الله أعلم .
و حكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة و نصفها الآخر نزل بالمدينة ، و هو غريب جدا ، نقله القرطبي عنه . و هي سبع آيات بلا خلاف ، [ و قال عمرو بن عبيد : ثمان ، و قال حسين الجعفي : ستة و هذان شاذان ] .
و إنما اختلفوا في البسملة : هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة و التابعين و خلق من الخلف ، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية ، كما هو قول أهل المدينة من القراء و الفقهاء ؟ على ثلاثة أقوال ، سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى ، و به الثقة .

قالوا : و كلماتها خمس و عشرون كلمة ، و حروفها مائة و ثلاثة عشر حرفا .
قال البخاري في أول كتاب التفسير : و سميت أم الكتاب سورة الفاتحة ، لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، و يبدأ بقراءتها في الصلاة و قيل : إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته .
قال ابن جرير : و العرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر - إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع - أما ، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ ، أم الرأس ، ويسمون لواء الجيش و رايتهم التي يجتمعون تحتها أما ، و استشهد بقول ذي الرمة :

على رأسه أم لنا نقتدي بها جماع أمور ليس نعصي لها أمرا

يعني : الرمح .
قال : و سميت مكة : أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها ، و قيل : لأن الأرض دحيت منها .

و يقال لها أيضا : الفاتحة ؛ لأنها تفتتح بها القراءة ، و افتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام ، و صح تسميتها بالسبع المثاني ، قالوا : لأنها تثنى في الصلاة ، فتقرأ في كل ركعة ، و إن كان للمثاني معنى آخر غير هذا ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله .
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا ابن أبي ذئب و هاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لأم القرآن : هي أم القرآن ، و هي السبع المثاني ، و هي القرآن العظيم . ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به ، و قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : هي أم القرآن ، و هي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني .
و قال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا محمد بن غالب بن حارث ، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي ، ثنا المعافى بن عمران ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن نوح بن أبي بلال ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن ، و هي السبع المثاني و القرآن العظيم ، وهي أم الكتاب .

و قد رواه الدارقطني أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه أو مثله ، و قال : كلهم ثقات .
و روى البيهقي عن علي و ابن عباس و أبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى : ( سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] بالفاتحة ، و أن البسملة هي الآية السابعة منها ، و سيأتي تمام هذا عند البسملة .

و قد روى الأعمش عن إبراهيم قال : قيل لابن مسعود : لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟
قال : لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة . قال أبو بكر بن أبي داود : يعني حيث يقرأ في الصلاة ، قال : و اكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها .

و قد قيل : إن الفاتحة أول شيء نزل من القرآن ، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة هذا [ أحدها ].
و قيل : ( يا أيها المدثر كما في حديث جابر في الصحيح .
و قيل : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ العلق : 1 ] و هذا هو الصحيح ، كما سيأتي تقريره في موضعه ، و الله المستعان.

ذكر ما ورد في فضل الفاتحة

قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل - رحمه الله - في مسنده : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، حدثني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى - - قال : كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلم أجبه حتى صليت و أتيته ، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ .
قال : قلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلي .
قال : ألم يقل الله : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد . قال : فأخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن . قال : نعم ، الحمد لله رب العالمين هي : السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيته .

و هكذا رواه البخاري عن مسدد ، و علي بن المديني ، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان ، به . و رواه في موضع آخر من التفسير ، و أبو داود ، و النسائي ، و ابن ماجه من طرق عن شعبة ، به . و رواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، عن أبي بن كعب ، فذكر نحوه .

و قد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس ، ما ينبغي التنبيه عليه ، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي : أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبرهم ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نادى أبي بن كعب ، و هو يصلي في المسجد ، فلما فرغ من صلاته لحقه ، قال : فوضع النبي صلى الله عليه و سلم يده على يدي ، و هو يريد أن يخرج من باب المسجد ، ثم قال : إني لأرجو ألا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الفرقان مثلها .
قال أبي : فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك ، ثم قلت : يا رسول الله ، ما السورة التي وعدتني ؟
قال : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟
قال : فقرأت عليه : ( الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هي هذه السورة ، و هي السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أعطيت . فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى ، كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول و من تبعه ، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري ، و هذا تابعي من موالي خزاعة ، و ذاك الحديث متصل صحيح ، و هذا ظاهره أنه منقطع ، إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب ، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم ، و الله أعلم . على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه كما قال الإمام أحمد :

حدثنا عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي بن كعب ، و هو يصلي ، فقال : يا أبي ، فالتفت ثم لم يجبه ، ثم قال : أبي ، فخفف . ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : السلام عليك أي رسول الله . فقال : و عليك السلام [ قال ] : ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني ؟ . قال : أي رسول الله ، كنت في الصلاة ، قال : أولست تجد فيما أوحى الله إلي استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] . قال : بلى يا رسول الله ، لا أعود ، قال : أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان مثلها ؟ قلت : نعم ، أي رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لأرجو ألا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي يحدثني ، و أنا أتبطأ ، مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث ، فلما دنونا من الباب قلت : أي رسول الله ، ما السورة التي وعدتني قال : ما تقرأ في الصلاة ؟ .
قال : فقرأت عليه أم القرآن ، قال : و الذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور ، و لا في الفرقان مثلها ؛ إنها السبع المثاني . و رواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الدراوردي ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره ، و عنده : إنها من السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أعطيته ، ثم قال : هذا حديث حسن صحيح .

و في الباب ، عن أنس بن مالك ، ورواه عبد الله بن [ الإمام ] أحمد ، عن إسماعيل بن أبي معمر ، عن أبي أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، فذكره مطولا بنحوه ، أو قريبا منه .
و قد رواه الترمذي و النسائي جميعا عن أبي عمار حسين بن حريث ، عن الفضل بن موسى ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أنزل الله في التوراة و لا في الإنجيل مثل أم القرآن ، و هي السبع المثاني ، و هي مقسومة بيني و بين عبدي ، هذا لفظ النسائي . و قال الترمذي : حسن غريب .

و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا هاشم ، يعني ابن البريد حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن جابر ، قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد أهراق الماء ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فلم يرد علي . قال : فانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي ، و أنا خلفه حتى دخل رحله ، و دخلت أنا المسجد ، فجلست كئيبا حزينا ، فخرج علي رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد تطهر ، فقال : عليك السلام و رحمة الله ، و عليك السلام ورحمة الله ، و عليك السلام و رحمة الله ، ثم قال : ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخير سورة في القرآن ؟
قلت : بلى يا رسول الله . قال : اقرأ : الحمد لله رب العالمين ، حتى تختمها . هذا إسناد جيد ، و ابن عقيل تحتج به الأئمة الكبار ، وعبد الله بن جابر هذا هو الصحابي ، ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي ، و الله أعلم .
و يقال : إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي ، فيما ذكره الحافظ ابن عساكر . و استدلوا بهذا الحديث و أمثاله على تفاضل بعض الآيات و السور على بعض ، كما هو المحكي عن كثير من العلماء ، منهم : إسحاق بن راهويه ، و أبو بكر بن العربي ، و ابن الحصار من المالكية . و ذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك ؛ لأن الجميع كلام الله ، و لئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه ، وإن كان الجميع فاضلا ، نقله القرطبي عن الأشعري ، و أبي بكر الباقلاني ، و أبي حاتم بن حبان البستي ، و يحيى بن يحيى ، و رواية عن الإمام مالك [ أيضا ] .

حديث آخر : قال البخاري في فضائل القرآن : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا وهب ، حدثنا هشام ، عن محمد بن معبد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنا في مسير لنا ، فنزلنا ، فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم ، و إن نفرنا غيب ، فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية ، فرقاه ، فبرئ ، فأمر له بثلاثين شاة ، و سقانا لبنا ، فلما رجع قلنا له : أكنت تحسن رقية ، أو كنت ترقي ؟
قال : لا ما رقيت إلا بأم الكتاب ، قلنا : لا تحدثوا شيئا حتى نأتي ، أو نسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : و ما كان يدريه أنها رقية ، اقسموا و اضربوا لي بسهم .

و قال أبو معمر : حدثنا عبد الوارث ، حدثنا هشام ، حدثنا محمد بن سيرين ، حدثني معبد بن سيرين ، عن أبي سعيد الخدري بهذا .

و هكذا رواه مسلم ، وأبو داود من رواية هشام ، و هو ابن حسان ، عن ابن سيرين ، به . و في بعض روايات مسلم لهذا الحديث : أن أبا سعيد هو الذي رقى ذلك السليم ، يعني : اللديغ ، يسمونه بذلك تفاؤلا .

حديث آخر : روى مسلم في صحيحه ، و النسائي في سننه ، من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم ، عن عمار بن رزيق ، عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم و عنده جبريل ، إذ سمع نقيضا فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : هذا باب قد فتح من السماء ، ما فتح قط . قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، و خواتيم سورة البقرة ، و لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته . و هذا لفظ النسائي .

و لمسلم نحوه حديث آخر : قال مسلم : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، هو ابن راهويه ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن العلاء ، يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام . فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام ، قال : اقرأ بها في نفسك ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : قال الله عز و جل : قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] ، قال الله : حمدني عبدي ، و إذا قال : ( الرحمن الرحيم [ الفاتحة : 3 ] ، قال الله : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] ، قال مجدني عبدي - و قال مرة : فوض إلي عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] ، قال : هذا بيني وبين عبدي ، و لعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ الفاتحة : 6 ، 7 ] ، قال هذا لعبدي و لعبدي ما سأل .

و هكذا رواه النسائي ، عن إسحاق بن راهويه . و قد روياه - أيضا - عن قتيبة ، عن مالك ، عن العلاء ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبي هريرة ، به و في هذا السياق : فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل .

و كذا رواه ابن إسحاق ، عن العلاء ، و قد رواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن العلاء ، عن أبي السائب هكذا .

و رواه - أيضا - من حديث ابن أبي أويس ، عن العلاء ، عن أبيه و أبي السائب ، كلاهما عن أبي هريرة .

و قال الترمذي : هذا حديث حسن ، و سألت أبا زرعة عنه فقال : كلا الحديثين صحيح ، من قال : عن العلاء ، عن أبيه ، و عن العلاء عن أبي السائب .

و قد روى هذا الحديث عبد الله ابن الإمام أحمد ، من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب مطولا .

قال ابن جرير : حدثنا صالح بن مسمار المروزي ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا عنبسة بن سعيد ، عن مطرف بن طريف ، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، و له ما سأل ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين قال : حمدني عبدي ، و إذا قال : ( الرحمن الرحيم قال : أثنى علي عبدي . ثم قال : هذا لي ، و له ما بقي

و هذا غريب من هذا الوجه .

ثم الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه :

أحدها : أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة ، و المراد القراءة كقوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) [ الإسراء : 110 ] ، أي : بقراءتك كما جاء مصرحا به في الصحيح ، عن ابن عباس و هكذا قال في هذا الحديث : قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل ثم بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة في الصلاة فدل على عظم القراءة في الصلاة ، و أنها من أكبر أركانها ، إذ أطلقت العبادة و أريد بها جزء واحد منها و هو القراءة ؛ كما أطلق لفظ القراءة و المراد به الصلاة في قوله : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) [ الإسراء : 78 ] ، و المراد صلاة الفجر ، كما جاء مصرحا به في الصحيحين : من أنه يشهدها ملائكة الليل و ملائكة النهار ، فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة ، و هو اتفاق من العلماء .

و لكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني ، و ذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب ، أم تجزئ هي أو غيرها ؟
على قولين مشهورين ، فعند أبي حنيفة و من وافقه من أصحابه و غيرهم أنها لا تتعين ، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة ، و احتجوا بعموم قوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، وبما ثبت في الصحيحين ، من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن قالوا : فأمره بقراءة ما تيسر ، و لم يعين له الفاتحة و لا غيرها ، فدل على ما قلناه .

و القول الثاني : أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ، و لا تجزئ الصلاة بدونها ، و هو قول بقية الأئمة : مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل و أصحابهم و جمهور العلماء ؛ و احتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور ، حيث قال - صلوات الله و سلامه عليه - : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج و الخداج هو : الناقص كما فسر به في الحديث : غير تمام . و احتجوا - أيضا - بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
و في صحيح ابن خزيمة و ابن حبان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن و الأحاديث في هذا الباب كثيرة ، و وجه المناظرة ها هنا يطول ذكره ، و قد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك ، رحمهم الله .

ثم إن مذهب الشافعي و جماعة من أهل العلم : أنه تجب قراءتها في كل ركعة .
و قال آخرون : إنما تجب قراءتها في معظم الركعات ، و قال الحسن و أكثر البصريين : إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات ، أخذا بمطلق الحديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .

و قال أبو حنيفة و أصحابه و الثوري و الأوزاعي : لا تتعين قراءتها ، بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، [ كما تقدم ] و الله أعلم .

و قد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مرفوعا : لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد و سورة في فريضة أو غيرها . و في صحة هذا نظر ، و موضح تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير ، و الله أعلم .

الوجه الثالث : هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم ؟
فيه ثلاثة أقوال للعلماء :

أحدها : أنه تجب عليه قراءتها ، كما تجب على إمامه ؛ لعموم الأحاديث المتقدمة .

و الثاني : لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة و لا غيرها ، لا في الصلاة الجهرية و لا السرية ، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة و لكن في إسناده ضعف . و رواه مالك ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر من كلامه . و قد روي هذا الحديث من طرق ، و لا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و الله أعلم .

و القول الثالث : أنه تجب القراءة على المأموم في السرية ، لما تقدم ، و لا تجب في الجهرية لما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، و إذا قرأ فأنصتوا و ذكر بقية الحديث .

و هكذا رواه أهل السنن ؛ أبو داود و الترمذي و النسائي وابن ماجه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : و إذا قرأ فأنصتوا . و قد صححه مسلم بن الحجاج أيضا ، فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول و هو قول قديم للشافعي ، رحمه الله ، و رواية عن الإمام أحمد بن حنبل .

و الغرض من ذكر هذه المسائل هاهنا بيان اختصاص سورة الفاتحة بأحكام لا تتعلق بغيرها من السور ، و الله أعلم .

و قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا غسان بن عبيد ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا وضعت جنبك على الفراش ، و قرأت فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت

الكلام على تفسير الاستعاذة

قال الله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، و قال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .

فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها ، و هو أن الله يأمر بمصانعة العدو الإنسي و الإحسان إليه ، ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموادة و المصافاة ، و يأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة ؛ إذ لا يقبل مصانعة و لا إحسانا و لا يبتغي غير هلاك ابن آدم ، لشدة العداوة بينه و بين أبيه آدم من قبل ؛ كما قال تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ) [ الأعراف : 27 ] و قال : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر : 6 ] وقال أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ الكهف : 50 ] ، و قد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين ، و كذب ، فكيف معاملته لنا و قد قال : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) ، و قال تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) [ النحل : 98 ، 99 ]

قالت طائفة من القراء و غيرهم : نتعوذ بعد القراءة ، و اعتمدوا على ظاهر سياق الآية ، و لدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة ؛ و ممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما ذكره ابن قلوقا عنه ، و أبو حاتم السجستاني ، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي في كتاب الكامل .

و روي عن أبي هريرة - أيضا - و هو غريب .

[ ونقله فخر الدين محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال : وهو قول إبراهيم النخعي و داود بن علي الأصبهاني الظاهري ، وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة ، عن مالك ، رحمه الله تعالى ، أن القارئ يتعوذ بعد الفاتحة ، و استغربه ابن العربي . و حكى قولا ثالثا و هو الاستعاذة أولا و آخرا جمعا بين الدليلين ، نقله فخر الدين ] .

و المشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة لدفع الوسواس فيها ، إنما تكون قبل التلاوة ، و معنى الآية عندهم : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) [ النحل : 98 ] أي : إذا أردت القراءة كقوله : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية [ المائدة : 6 ] أي : إذا أردتم القيام .
و الدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك ؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :

حدثنا محمد بن الحسن بن آتش حدثنا جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي الرفاعي اليشكري ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته و كبر قال : سبحانك اللهم و بحمدك ، و تبارك اسمك ، و تعالى جدك ، و لا إله غيرك . و يقول : لا إله إلا الله ثلاثا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه و نفخه و نفثه .

و قد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي ، وهو الرفاعي ، وقال الترمذي : هو أشهر حديث في هذا الباب . و قد فسر الهمز بالموتة و هي الخنق ، و النفخ بالكبر ، و النفث بالشعر . كما رواه أبو داود و ابن ماجه من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عاصم العنزي ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين دخل في الصلاة ، قال : الله أكبر كبيرا ، ثلاثا ، الحمد لله كثيرا ، ثلاثا ، سبحان الله بكرة و أصيلا ثلاثا ، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه و نفخه و نفثه .

قال عمرو : و همزه : الموتة ، و نفخه : الكبر ، و نفثه : الشعر .

و قال ابن ماجه : حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، و همزه و نفخه و نفثه .

قال : همزه : الموتة ، و نفثه : الشعر ، و نفخه : الكبر .

و قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا شريك ، عن يعلى بن عطاء ، عن رجل حدثه : أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله - ثلاث مرات ، و سبحان الله و بحمده ، ثلاث مرات . ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، من همزه و نفخه و نفثه .
و قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي ، حدثنا علي بن هشام بن البريد عن يزيد بن زياد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، قال : تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه و سلم ، فتمزع أنف أحدهما غضبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لأعلم شيئا لو قاله ذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

و كذا رواه النسائي في " اليوم و الليلة " ، عن يوسف بن عيسى المروزي ، عن الفضل بن موسى ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، به .
و قد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل ، عن أبي سعيد ، عن زائدة ، و أبو داود عن يوسف بن موسى ، عن جرير بن عبد الحميد ، والترمذي ، والنسائي في " اليوم والليلة " عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن الثوري ، و النسائي - أيضا - من حديث زائدة بن قدامة ، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، قال : استب رجلان عند النبي ، فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إلي أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه ، فقال النبي : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب ، قال : ما هي يا رسول الله ؟ قال : يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم . قال : فجعل معاذ يأمره ، فأبى [ ومحك ] ، وجعل يزداد غضبا . وهذا لفظ أبي داود . وقال الترمذي : مرسل ، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل ، فإنه مات قبل سنة عشرين .

قلت : وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب ، كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل ، فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة ، م . قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، قال : قال سليمان بن صرد : استب رجلان عند النبي ، ونحن عنده جلوس ، فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول رسول الله قال : إني لست بمجنون .

وقد رواه - أيضا - مع مسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، من طرق متعددة ، عن الأعمش ، به .

وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا ، وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال ، والله أعلم . وقد روي أن جبريل - عليه السلام - أول ما نزل بالقرآن على رسول الله أمره بالاستعاذة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :

حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد قال : يا محمد ، استعذ . قال : أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قال : قل : بسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق قال عبد الله : وهي أول سورة أنزلها الله على محمد ، بلسان جبريل . وهذا الأثر غريب ، وإنما ذكرناه ليعرف ، فإن في إسناده ضعفا وانقطاعا ، والله أعلم .

مسألة : وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها ، وحكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال : وقال ابن سيرين : إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب ، واحتج فخر الدين لعطاء بظاهر الآية : فاستعذ وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي عليها ، ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب . وقال بعضهم : كانت واجبة على النبي دون أمته ، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه .

مسألة : وقال الشافعي في الإملاء ، يجهر بالتعوذ حكم الجهر بالاستعاذة ، وإن أسر فلا يضر ، وقال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة ، واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى : هل يستحب التعوذ فيها ؟ على قولين ، ورجح عدم الاستحباب ، والله أعلم . فإذا قال المستعيذ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد بعضهم : أعوذ بالله السميع العليم ، وقال آخرون : بل يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لمطابقة أمر الآية ، ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور ، والأحاديث الصحيحة - كما تقدم - أولى بالاتباع من هذا ، والله أعلم .

مسألة : ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : بل للصلاة ، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد ، والجمهور بعدها قبل القراءة .

ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث ، وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ، ولا يقبل مصانعة ، ولا يدارى بالإحسان ، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني ، وقال تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ] ، وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر ، ومن قتله العدو البشري كان شهيدا ، ومن قتله العدو الباطني كان طريدا ، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورا ، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا ، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان .

فصل : والاستعاذة معناها : هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر ، والعياذة تكون لدفع الشر ، واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي :

يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به ممن أحاذره لا يجبر الناس عظما أنت كاسره

ولا يهيضون عظما أنت جابره

فصل معنى الاستعاذة

ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أي : أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى ، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل ؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه ، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة ، قوله في الأعراف : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ الأعراف : 199 ] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ، ثم قال : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 200 ] ، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون " : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] ، وقال تعالى في سورة حم السجدة : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .

والشيطان معناه في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير ، وقيل : مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار ، ومنهم من يقول : كلاهما صحيح في المعنى ، ولكن الأول أصح ، وعليه يدل كلام العرب ؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان ، عليه السلام :

أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال

فقال : أيما شاطن ، ولم يقل : أيما شائط .

وقال النابغة الذبياني - وهو : زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان - :

نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهين

يقول : بعدت بها طريق بعيدة .

[ وقال سيبويه : العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل فعل الشيطان ولو كان من شاط ، لقالوا : تشيط ] . والشيطان مشتق من البعد على الصحيح ؛ ولهذا يسمون كل ما تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا ، قال الله تعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ] . وفي مسند الإمام أحمد ، عن أبي ذر - - قال : قال رسول الله : يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن ، فقلت : أوللإنس شياطين ؟ قال : نعم . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر - أيضا - قال : قال رسول الله : يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود . فقلت : يا رسول الله ، ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر فقال : الكلب الأسود شيطان . وقال ابن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب ، ، ركب برذونا ، فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا ، فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلا على شيطان ، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي . إسناده صحيح .

والرجيم معناه : فعيل بمعنى مفعول ، أي : أنه مرجوم مطرود عن الخير كله ، كما قال تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ] ، وقال تعالى : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) [ الصافات : 6 - 10 ] ، وقال تعالى : ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ) [ الحجر : 16 - 18 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . [ وقيل : رجيم بمعنى راجم ؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر ] .

" بسم الله الرحمن الرحيم " افتتح بها الصحابة كتاب الله ، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ، ثم اختلفوا : هل هي آية مستقلة بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة ، أو من أول كل سورة كتبت في أولها ، أو أنها بعض آية من أول كل سورة ، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها ، أو أنها [ إنما ] كتبت للفصل ، لا أنها آية ؟ على أقوال للعلماء سلفا وخلفا ، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع .

وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح ، عن ابن عباس ، ما ، أن رسول الله كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضا ، وروي مرسلا عن سعيد بن جبير . وفي صحيح ابن خزيمة ، عن أم سلمة أن رسول الله قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية ، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي ، وفيه ضعف ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عنها . وروى له الدارقطني متابعا ، عن أبي هريرة مرفوعا . وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما . وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا " براءة " : ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو هريرة ، وعلي . ومن التابعين : عطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والزهري ، وبه يقول عبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمهم الله . وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور ، وقال الشافعي في قول ، في بعض طرق مذهبه : هي آية من الفاتحة وليست من غيرها ، وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة ، وهما غريبان .

وقال داود : هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها ، وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل . وحكاه أبو بكر الرازي ، عن أبي الحسن الكرخي ، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة ، رحمهم الله . هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا . فأما ما يتعلق بالجهر بها بسم الله الرحمن الرحيم ، فمفرع على هذا ؛ فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها ، وكذا من قال : إنها آية من أولها ، وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا ؛ فذهب الشافعي ، رحمه الله ، إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة ، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفا وخلفا ، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، ومعاوية ، وحكاه ابن عبد البر ، والبيهقي عن عمر وعلي ، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة ، وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهو غريب . ومن التابعين : عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وأبي قلابة ، والزهري ، وعلي بن الحسين ، وابنه محمد ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسالم ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وأبي وائل ، وابن سيرين ، ومحمد بن المنكدر ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وابنه محمد ، ونافع مولى ابن عمر ، وزيد بن أسلم ، وعمر بن عبد العزيز ، والأزرق بن قيس ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبي الشعثاء ، ومكحول ، وعبد الله بن معقل بن مقرن . زاد البيهقي : وعبد الله بن صفوان ، ومحمد ابن الحنفية . زاد ابن عبد البر : وعمرو بن دينار .

والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة ، فيجهر بها كسائر أبعاضها ، وأيضا فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم في مستدركه ، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة ، وقال بعد أن فرغ : إني لأشبهكم صلاة برسول الله . وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم .

وروى أبو داود والترمذي ، عن ابن عباس : أن رسول الله كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال الترمذي : وليس إسناده بذاك .

وقد رواه الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : صحيح وفي صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله فقال : كانت قراءته مدا ، ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، يمد " بسم الله " ، ويمد " الرحمن " ، ويمد " الرحيم .

وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، وصحيح ابن خزيمة ، ومستدرك الحاكم ، عن أم سلمة ، قالت : كان رسول الله يقطع قراءته : ( بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين . وقال الدارقطني : إسناده صحيح .

وروى الشافعي ، رحمه الله ، والحاكم في مستدركه ، عن أنس : أن معاوية صلى بالمدينة ، فترك البسملة ، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك ، فلما صلى المرة الثانية بسمل .

وفي هذه الأحاديث ، والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها ، فأما المعارضات والروايات الغريبة ، وتطريقها ، وتعليلها وتضعيفها ، وتقريرها ، فله موضع آخر .

وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة ، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل ، وطوائف من سلف التابعين والخلف ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والثوري ، وأحمد بن حنبل .

وعند الإمام مالك : أنه لا يقرأ البسملة بالكلية ، لا جهرا ولا سرا ، واحتجوا بما في صحيح مسلم ، عن عائشة ، ا ، قالت : كان رسول الله يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب الحمد لله رب العالمين . وبما في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، قال : صليت خلف النبي ، وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون ب الحمد لله رب العالمين . ولمسلم : لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها . ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل ، .

فهذه مآخذ الأئمة - رحمهم الله - في هذه المسألة وهي قريبة ؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر ، ولله الحمد والمنة .

قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره : حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني ، حدثنا سلام بن وهب الجندي ، حدثنا أبي ، عن طاوس ، عن ابن عباس ؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله عن بسم الله الرحمن الرحيم . فقال : هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب .

وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه ، عن سليمان بن أحمد ، عن علي بن المبارك ، عن زيد بن المبارك ، به .

وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن مسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله : إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال المعلم : اكتب ، قال ما أكتب ؟ قال : باسم الله ، قال له عيسى : وما باسم الله ؟ قال المعلم : ما أدري . قال له عيسى : الباء بهاء الله ، والسين سناؤه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرة

وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب : زبريق ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، ومسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي ، فذكره . وهذا غريب جدا ، وقد يكون صحيحا إلى من دون رسول الله ، ويكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات ، والله أعلم .

وقد روى جويبر ، عن الضحاك ، نحوه من قبله .

وقد روى ابن مردويه ، من حديث يزيد بن خالد ، عن سليمان بن بريدة ، وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله قال : أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري ، وهي بسم الله الرحمن الرحيم .

وروى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران ، عن أبيه ، عن عمر بن ذر ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق ، وسكنت الرياح ، وهاج البحر ، وأصغت البهائم بآذانها ، ورجمت الشياطين من السماء ، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه .

[ وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، ليجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد ، ذكره ابن عطية والقرطبي ووجهه ابن عطية ونصره بحديث : فقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها لقول الرجل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفا وغير ذلك ] .

وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، قال : سمعت أبا تميمة يحدث ، عن رديف النبي قال : عثر بالنبي ، فقلت : تعس الشيطان . فقال النبي : لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب .

هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النسائي في اليوم والليلة ، وابن مردويه في تفسيره ، من حديث خالد الحذاء ، عن أبي تميمة هو الهجيمي ، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير ، عن أبيه ، قال : كنت رديف النبي فذكره وقال : لا تقل هكذا ، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ، ولكن قل : بسم الله ، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة . فهذا من تأثير بركة بسم الله ؛ ولهذا تستحب في أول كل عمل بسم


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس
قديم 02-13-2021 ~ 06:41 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 4
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


ابن كثير

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة : 2]

القراء السبعة على ضم الدال من قوله : ( الحمد لله و هو مبتدأ و خبر ).
و روي عن سفيان بن عيينة و رؤبة بن العجاج أنهما قالا الحمد لله بالنصب و هو على إضمار فعل.
و قرأ ابن أبي عبلة : الحمد لله بضم الدال و اللام إتباعا للثاني الأول و له شواهد لكنه شاذ ، و عن الحسن و زيد بن علي : الحمد لله بكسر الدال إتباعا للأول الثاني .

قال أبو جعفر بن جرير : معنى الحمد لله الشكر لله خالصا دون سائر ما يعبد من دونه ، و دون كل ما برأ من خلقه ، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ، و لا يحيط بعددها غيره أحد ، في تصحيح الآلات لطاعته ، و تمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه ، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق ، و غذاهم به من نعيم العيش ، من غير استحقاق منهم ذلك عليه ، و مع ما نبههم عليه و دعاهم إليه ، من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم ، فلربنا الحمد على ذلك كله أولا و آخرا .

[ و قال ابن جرير : الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه و في ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال : قولوا : الحمد لله ] .

قال : و قد قيل : إن قول القائل : ( الحمد لله ، ثناء عليه بأسمائه و صفاته الحسنى ، و قوله : الشكر لله ثناء عليه بنعمه و أياديه ، ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد و الشكر مكان الآخر .

[ و قد نقل السلمي هذا المذهب أنهما سواء عن جعفر الصادق و ابن عطاء من الصوفية . و قال ابن عباس : الحمد لله كلمة كل شاكر ، و قد استدل القرطبي لابن جرير بصحة قول القائل : الحمد لله شكرا ] .

و هذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر ؛ لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة و المتعدية ، و الشكر لا يكون إلا على المتعدية ، و يكون بالجنان و اللسان و الأركان ، كما قال الشاعر :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي و لساني و الضمير المحجبا

و لكنهم اختلفوا : أيهما أعم ، الحمد أو الشكر ؟ على قولين ، و التحقيق أن بينهما عموما و خصوصا ، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه ؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة و المتعدية ، تقول : حمدته لفروسيته و حمدته لكرمه . و هو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول ، و الشكر أعم من حيث ما يقعان عليه ، لأنه يكون بالقول و العمل و النية ، كما تقدم ، و هو أخص ؛ لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية ، لا يقال : شكرته لفروسيته ، و تقول : شكرته على كرمه و إحسانه إلي . هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين ، و الله أعلم .

و قال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري : الحمد نقيض الذم ، تقول : حمدت الرجل أحمده حمدا و محمدة ، فهو حميد و محمود ، و التحميد أبلغ من الحمد ، و الحمد أعم من الشكر .
و قال في الشكر : هو الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف ، يقال : شكرته ، و شكرت له . و باللام أفصح .

[ و أما المدح فهو أعم من الحمد ؛ لأنه يكون للحي و للميت و للجماد - أيضا - كما يمدح الطعام و المال و نحو ذلك ، و يكون قبل الإحسان و بعده ، و على الصفات المتعدية و اللازمة أيضا فهو أعم ] .

ذكر أقوال السلف في الحمد

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو معمر القطيعي ، حدثنا حفص ، عن حجاج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، ما ، قال : قال عمر : قد علمنا سبحان الله ، و لا إله إلا الله ، فما الحمد لله ؟
فقال علي : كلمة رضيها الله لنفسه .

و رواه غير أبي معمر ، عن حفص ، فقال : قال عمر لعلي ، و أصحابه عنده : لا إله إلا الله ، و سبحان الله ، و الله أكبر ، قد عرفناها ، فما الحمد لله ؟
قال علي : كلمة أحبها [ الله ] لنفسه ، و رضيها لنفسه ، و أحب أن تقال .

و قال علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، قال :
قال ابن عباس : الحمد لله كلمة الشكر ، و إذا قال العبد : الحمد لله ، قال : شكرني عبدي . رواه ابن أبي حاتم .

و روى - أيضا - هو و ابن جرير ، من حديث بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : أنه قال : الحمد لله هو الشكر لله و الاستخذاء له ، و الإقرار له بنعمه و هدايته و ابتدائه و غير ذلك .

و قال كعب الأحبار : الحمد لله ثناء الله . و قال الضحاك : الحمد لله رداء الرحمن . و قد ورد الحديث بنحو ذلك .

قال ابن جرير : حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثني عيسى بن إبراهيم ، عن موسى بن أبي حبيب ، عن الحكم بن عمير ، و كانت له صحبة قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : إذا قلت : الحمد لله رب العالمين ، فقد شكرت الله ، فزادك .

و قد روى الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا روح ، حدثنا عوف ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، قال : قلت : يا رسول الله ، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي ، تبارك و تعالى ؟
فقال : أما إن ربك يحب الحمد .

و رواه النسائي ، عن علي بن حجر ، عن ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، به .

و روى الترمذي ، و النسائي و ابن ماجه ، من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير ، عن طلحة بن خراش ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أفضل الذكر لا إله إلا الله.
و أفضل الدعاء الحمد لله .
و قال الترمذي : حسن غريب .

و روى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ .
و قال القرطبي في تفسيره ، و في نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال : الحمد لله ، لكان الحمد لله أفضل من ذلك .
قال القرطبي و غيره : أي لكان إلهامه الحمد لله أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا ؛ لأن ثواب الحمد لا يفنى و نعيم الدنيا لا يبقى ، قال الله تعالى :
{ المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} [ الكهف : 46 ] .
و في سنن ابن ماجه عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثهم : أن عبدا من عباد الله قال :
يا رب ، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك ، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها ، فصعدا إلى السماء فقالا: يا رب ، إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها ، قال الله - و هو أعلم بما قال عبده : ماذا قال عبدي ؟
قالا: يا رب إنه قد قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك . فقال الله لهما : اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها .

و حكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا : قول العبد : الحمد لله رب العالمين ، أفضل من قول : لا إله إلا الله ؛ لاشتمال " الحمد لله رب العالمين " على التوحيد مع الحمد ، و قال آخرون : لا إله إلا الله أفضل لأنها الفصل بين الإيمان و الكفر ، و عليها يقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله كما ثبت في الحديث المتفق عليه.
و في الحديث الآخر في السنن : أفضل ما قلت أنا و النبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
و قد تقدم عن جابر مرفوعا : أفضل الذكر لا إله إلا الله ، و أفضل الدعاء الحمد لله . و حسنه الترمذي .

و الألف و اللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد ، و صنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث :
اللهم لك الحمد كله ، و لك الملك كله ، و بيدك الخير كله ، و إليك يرجع الأمر كله. الحديث .

رب العالمين و الرب هو : المالك المتصرف ، و يطلق في اللغة على السيد ، و على المتصرف للإصلاح ، و كل ذلك صحيح في حق الله تعالى .

[ و لا يستعمل الرب لغير الله ، بل بالإضافة تقول : رب الدار ، رب كذا ، و أما الرب فلا يقال إلا لله عز و جل ، و قد قيل : إنه الاسم الأعظم ] .
و العالمين : جمع عالم ، [ و هو كل موجود سوى الله عز و جل ] ، و العالم جمع لا واحد له من لفظه ، و العوالم أصناف المخلوقات [ في السماوات و الأرض ] في البر و البحر ، و كل قرن منها و جيل يسمى عالما أيضا .

قال بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] الحمد لله الذي له الخلق كله ، السماوات و الأرضون ، و من فيهن و ما بينهن ، مما نعلم ، و ما لا نعلم .

و في رواية سعيد بن جبير ، و عكرمة ، عن ابن عباس :
رب الجن و الإنس .
و كذلك قال سعيد بن جبير ، و مجاهد و ابن جريج ، و روي عن علي [ نحوه ] .
و قال ابن أبي حاتم : بإسناد لا يعتمد عليه .

و استدل القرطبي لهذا القول بقوله : ( ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] و هم الجن و الإنس .
و قال الفراء و أبو عبيدة : العالم عبارة عما يعقل و هم الإنس و الجن و الملائكة و الشياطين و لا يقال للبهائم : عالم.
و عن زيد بن أسلم و أبي عمرو بن العلاء : كل ما له روح يرتزق .
و ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم - و هو آخر خلفاء بني أمية و يعرف بالجعد و يلقب بالحمار - أنه قال :
خلق الله سبعة عشر ألف عالم أهل السماوات و أهل الأرض عالم واحد و سائر ذلك لا يعلمه إلا الله ، عز و جل .

و قال قتادة : رب العالمين ، كل صنف عالم .
و قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى رب العالمين قال :
الإنس عالم ، و الجن عالم ، و ما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم ، أو أربعة عشر ألف عالم ، هو يشك ، من الملائكة على الأرض ، و للأرض أربع زوايا ، في كل زاوية ثلاثة آلاف عالم ، و خمسمائة عالم ، خلقهم [ الله ] لعبادته . رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم .

[ و هذا كلام غريب يحتاج مثله إلى دليل صحيح ] .

و قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الفرات ، يعني ابن الوليد ، عن معتب بن سمي ، عن تبيع ، يعني الحميري ، في قوله : رب العالمين قال : العالمين ألف أمة فستمائة في البحر ، و أربعمائة في البر .

[ وحكي مثله عن سعيد بن المسيب ] .

و قد روي نحو هذا مرفوعا كما قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى في مسنده :

حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبيد بن واقد القيسي ، أبو عباد ، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال :
قل الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها فسأل عنه ، فلم يخبر بشيء ، فاغتم لذلك ، فأرسل راكبا يضرب إلى اليمن ، و آخر إلى الشام ، و آخر إلى العراق ، يسأل : هل رئي من الجراد شيء أم لا ؟
قال : فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد ، فألقاها بين يديه ، فلما رآها كبر ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
خلق الله ألف أمة ، ستمائة في البحر و أربعمائة في البر ، فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد ، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه . محمد بن عيسى هذا - و هو الهلالي - ضعيف .

و حكى البغوي عن سعيد بن المسيب أنه قال : لله ألف عالم ؛ ستمائة في البحر و أربعمائة في البر ، و قال وهب بن منبه : لله ثمانية عشر ألف عالم ؛ الدنيا عالم منها .
و قال مقاتل : العوالم ثمانون ألفا .
و قال كعب الأحبار : لا يعلم عدد العوالم إلا الله عز و جل . نقله كله البغوي ، و حكى القرطبي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : إن لله أربعين ألف عالم ؛ الدنيا من شرقها إلى مغربها عالم واحد منها.
و قال الزجاج : العالم كل ما خلق الله في الدنيا و الآخرة .
قال القرطبي : و هذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين ، كقوله : قال فرعون و ما رب العالمين قال رب السماوات و الأرض و ما بينهما إن كنتم موقنين و العالم مشتق من العلامة ( قلت ) : لأنه علم دال على وجود خالقه و صانعه و وحدانيته كما قال ابن المعتز :

فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد و في كل شيء له آية تدل على أنه واحد


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس
قديم 02-13-2021 ~ 06:42 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 5
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


# ابن كثير

الرَّحْمَظ°نِ الرَّحِيمِ [الفاتحة : 3]
و قوله : ( الرحمن الرحيم ) تقدم الكلام عليه في البسملة بما أغنى عن إعادته .

# ابن كثير

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة : 4]

قرأ بعض القراء : ملك يوم الدين و قرأ آخرون : مالك . و كلاهما صحيح متواتر في السبع .

[ و يقال : مليك أيضا ، و أشبع نافع كسرة الكاف فقرأ : ملكي يوم الدين و قد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى ، و كلاهما صحيحة حسنة ، و رجح الزمخشري " ملك " ؛ لأنها قراءة أهل الحرمين و لقوله :
( لمن الملك اليوم)
و قوله : ( قوله الحق وله الملك)
و حكي عن أبي حنيفة أنه قرأ ملك يوم الدين على أنه فعل و فاعل و مفعول ، و هذا شاذ غريب جدا ] .
و قد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئا غريبا حيث قال :
حدثنا أبو عبد الرحمن الأذرمي ، حدثنا عبد الوهاب عن عدي بن الفضل ، عن أبي المطرف ، عن ابن شهاب : أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر و عمر و عثمان و معاوية و ابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرءون :
( مالك يوم الدين) و أول من أحدث ملك مروان .
قلت : مروان عنده علم بصحة ما قرأه ، لم يطلع عليه ابن شهاب ، و الله أعلم .

و قد روي من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرؤها : ( مالك يوم الدين) و مالك مأخوذ من الملك ، كما قال :
( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) [ مريم : 40 ]
و قال : ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) [ الناس : 1 ، 2 ]
و ملك : مأخوذ من الملك كما قال تعالى : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [ غافر : 16 ]
و قال : ( قوله الحق وله الملك ) [ الأنعام : 73 ]
و قال : ( الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ) [ الفرقان : 26 ] .

و تخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه ، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين ، و ذلك عام في الدنيا و الآخرة ، و إنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئا ، و لا يتكلم أحد إلا بإذنه ، كما قال :
( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبأ : 38 ]
و قال تعالى : ( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) [ طه : 108 ].
و قال : ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) [ هود : 105 ] .

و قال الضحاك عن ابن عباس : ( مالك يوم الدين يقول : لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما ، كملكهم في الدنيا) .
قال : و يوم الدين يوم الحساب للخلائق ، و هو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرا فخير و إن شرا فشر ، إلا من عفا عنه .
و كذلك قال غيره من الصحابة و التابعين و السلف ، و هو ظاهر .

و حكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى تفسير مالك يوم الدين أنه القادر على إقامته ، ثم شرع يضعفه .

و الظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول و ما تقدم ، و أن كلا من القائلين بهذا و بما قبله يعترف بصحة القول الآخر ، و لا ينكره ، و لكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا ، كما قال :
( الملك يومئذ الحق للرحمن ) [ الفرقان : 26 ]
و القول الثاني يشبه قوله : ( ويوم يقول كن فيكون ، [ الأنعام : 73 ] و الله أعلم .

و الملك في الحقيقة هو الله عز و جل ؛ قال الله تعالى :
( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام)
و في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا : أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك و لا مالك إلا الله ، و فيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يقبض الله الأرض و يطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ و في القرآن العظيم : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى : ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) ،(وكان وراءهم ملك)،(إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا).
و في الصحيحين : ( مثل الملوك على الأسرة ) .

و الدين الجزاء و الحساب ؛ كما قال تعالى : ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) ، و قال : ( أئنا لمدينون) أي مجزيون محاسبون.
و في الحديث : الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت أي حاسب نفسه لنفسه ؛ كما قال عمر :
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، و تأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم : ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس
قديم 02-13-2021 ~ 06:42 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 6
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


ابن كثير

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة : 5]

قرأ السبعة و الجمهور بتشديد الياء من إياك.
و قرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر و هي قراءة شاذة مردودة ؛ لأن إيا ضوء الشمس .
و قرأ بعضهم : أياك بفتح الهمزة و تشديد الياء.
و قرأ بعضهم : هياك بالهاء بدل الهمزة ، كما قال الشاعر :

فهياك و الأمر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره

و نستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب و الأعمش فإنهما كسراها و هي لغة بني أسد و ربيعة و بني تميم و قيس ] .
العبادة في اللغة من الذلة ، يقال : طريق معبد ، و بعير معبد ، أي : مذلل.
و في الشرع : عبارة عما يجمع كمال المحبة و الخضوع و الخوف .

و قدم المفعول و هو إياك ، و كرر ؛ للاهتمام و الحصر ، أي : لا نعبد إلا إياك ، و لا نتوكل إلا عليك ، و هذا هو كمال الطاعة .
و الدين يرجع كله إلى هذين المعنيين ، و هذا كما قال بعض السلف :
الفاتحة سر القرآن ، و سرها هذه الكلمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ]
فالأول تبرؤ من الشرك ، و الثاني تبرؤ من الحول و القوة ، و التفويض إلى الله عز و جل .
و هذا المعنى في غير آية من القرآن ، كما قال تعالى :
( فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون ) [ هود : 123 ]
( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) [ الملك : 29 ]
( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ].
و كذلك هذه الآية الكريمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين .

و تحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب ، و هو مناسبة ، لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب و حضر بين يدي الله تعالى ؛ فلهذا قال :
( إياك نعبد وإياك نستعين)
و في هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى ، و إرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ؛ و لهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك ، و هو قادر عليه ، كما جاء في الصحيحين ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
و في صحيح مسلم ، من حديث العلاء بن عبد الرحمن ، مولى الحرقة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يقول الله تعالى :
قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل ، إذا قال العبد :
( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ]
قال : حمدني عبدي.
و إذا قال : ( الرحمن الرحيم ) [ الفاتحة : 3 ]
قال : أثنى علي عبدي.
فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ]
قال الله : مجدني عبدي .
و إذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ]
قال : هذا بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل.
فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [ الفاتحة : 6 ، 7 ]
قال : هذا لعبدي و لعبدي ما سأل .
و قال الضحاك ، عن ابن عباس : إياك نعبد يعني : إياك نوحد و نخاف و نرجو يا ربنا لا غيرك و إياك نستعين على طاعتك و على أمورنا كلها .

و قال قتادة : إياك نعبد و إياك نستعين يأمركم أن تخلصوا له العبادة و أن تستعينوه على أمركم .

و إنما قدم : ( إياك نعبد على وإياك نستعين لأن العبادة له هي المقصودة ، و الاستعانة وسيلة إليها ، و الاهتمام و الحزم هو أن يقدم ما هو الأهم فالأهم) و الله أعلم .

فإن قيل : فما معنى النون في قوله : ( إياك نعبد وإياك نستعين) فإن كانت للجمع فالداعي واحد ، و إن كانت للتعظيم فلا تناسب هذا المقام ؟
و قد أجيب : بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد و المصلي فرد منهم ، و لا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم ، فأخبر عن نفسه و عن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها ، و توسط لهم بخير.
و منهم من قال : يجوز أن تكون للتعظيم ، كأن العبد قيل له : إذا كنت في العبادة فأنت شريف و جاهك عريض فقل : ( إياك نعبد وإياك نستعين)
و إذا كنت خارج العبادة فلا تقل : نحن و لا فعلنا ، و لو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لافتقار الجميع إلى الله عز و جل .
و منهم من قال : ألطف في التواضع من إياك أعبد ، لما في الثاني من تعظيمه نفسه من جعله نفسه وحده أهلا لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ، و لا يثني عليه كما يليق به ، و العبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى ، كما قال بعضهم :

لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي

و قد سمى الله رسوله بعبده في أشرف مقاماته [ فقال ] الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) [ الكهف : 1 ]
( وأنه لما قام عبد الله يدعوه ) [ الجن : 19 ]
( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) [ الإسراء : 1 ]
فسماه عبدا عند إنزاله عليه و قيامه في الدعوة و إسرائه به ، و أرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين له ، حيث يقول :
( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ الحجر : 97 - 99 ] .

و قد حكى فخر الدين في تفسيره عن بعضهم :
أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة ؛ لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق و الرسالة من الحق إلى الخلق.
قال : و لأن الله متولي مصالح عبده ، و الرسول متولي مصالح أمته و هذا القول خطأ ، و التوجيه أيضا ضعيف لا حاصل له ، و لم يتعرض له فخر الدين بتضعيف و لا رده .
و قال بعض الصوفية : العبادة إما لتحصيل ثواب و رد عقاب ؛ قالوا : و هذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده ، و إما للتشريف بتكاليف الله تعالى ، و هذا - أيضا - عندهم ضعيف ، بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال ، قالوا : و لهذا يقول المصلي : أصلي لله ، و لو كان لتحصيل الثواب و درء العذاب لبطلت صلاته .
و قد رد ذلك عليهم آخرون و قالوا : كون العبادة لله عز و جل ، لا ينافي أن يطلب معها ثوابا ، و لا أن يدفع عذابا ، كما قال ذلك الأعرابي : أما إني لا أحسن دندنتك و لا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة و أعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه و سلم : حولها ندندن .


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس
قديم 02-13-2021 ~ 06:43 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 7
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


ابن كثير

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة : 6]

اهدنا الصراط المستقيم

قراءة الجمهور بالصاد .
و قرئ : السراط و قرئ بالزاي.
قال الفراء : و هي لغة بني عذرة و بلقين و بني كلب .

لما تقدم الثناء على المسئول ، تبارك و تعالى ، ناسب أن يعقب بالسؤال ؛ كما قال : فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل و هذا أكمل أحوال السائل ، أن يمدح مسئوله ، ثم يسأل حاجته [ و حاجة إخوانه المؤمنين بقوله : ( اهدنا ] ، لأنه أنجح للحاجة و أنجع للإجابة ، و لهذا أرشد الله تعالى إليه لأنه الأكمل ، و قد يكون السؤال بالإخبار عن حال السائل و احتياجه ، كما قال موسى عليه السلام : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) [ القصص : 24 ]
و قد يتقدمه مع ذلك وصف المسئول ، كقول ذي النون :
( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [ الأنبياء : 87 ]
و قد يكون بمجرد الثناء على المسئول ، كقول الشاعر :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضه الثناء

و الهداية هاهنا : الإرشاد و التوفيق ، و قد تعدى الهداية بنفسها كما هنا اهدنا الصراط المستقيم فتضمن معنى ألهمنا ، أو وفقنا ، أو ارزقنا ، أو اعطنا.
( وهديناه النجدين ) [ البلد : 10 ]
أي : بينا له الخير و الشر ، و قد تعدى بإلى ، كقوله تعالى :
( اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ) [ النحل : 121 ]
( فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) [ الصافات : 23 ]
و ذلك بمعنى الإرشاد و الدلالة ، و كذلك قوله تعالى :
( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) [ الشورى : 52 ]
و قد تعدى باللام ، كقول أهل الجنة :
( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) [ الأعراف : 43 ]
أي وفقنا لهذا و جعلنا له أهلا .
و أما الصراط المستقيم ، فقال الإمام أبو جعفر بن جرير :
أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه .

و كذلك ذلك في لغة جميع العرب ، فمن ذلك قول جرير بن عطية الخطفي :

أمير المؤمنين على صراط
إذا اعوج الموارد مستقيم

قال : و الشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر.
قال : ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله في كل قول و عمل وصف باستقامة أو اعوجاج ، فتصف المستقيم باستقامته ، و المعوج باعوجاجه .

ثم اختلفت عبارات المفسرين من السلف و الخلف في تفسير الصراط ، و إن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد ، و هو المتابعة لله و للرسول ؛ فروي أنه كتاب الله ، قال ابن أبي حاتم :
حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني يحيى بن يمان ، عن حمزة الزيات ، عن سعد ، و هو أبو المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث الأعور ، عن الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب - - قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الصراط المستقيم كتاب الله .
و كذلك رواه ابن جرير ، من حديث حمزة بن حبيب الزيات ، و قد [ تقدم في فضائل القرآن فيما ] رواه أحمد و الترمذي من رواية الحارث الأعور ، عن علي مرفوعا :
و هو حبل الله المتين.
و هو الذكر الحكيم.
و هو الصراط المستقيم .

و قد روي هذا موقوفا عن علي ، و هو أشبه ، و الله أعلم .

و قال الثوري ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : الصراط المستقيم . كتاب الله ، و قيل : هو الإسلام .
و قال الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قال جبريل لمحمد ، عليهما السلام : قل : يا محمد ، اهدنا الصراط المستقيم . يقول : اهدنا الطريق الهادي ، و هو دين الله الذي لا عوج فيه .

و قال ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم قال : ذاك الإسلام .
و قال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير ، عن أبي مالك ، و عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، و عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، و عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : ( اهدنا الصراط المستقيم)
قالوا : هو الإسلام .
و قال عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر :
( اهدنا الصراط المستقيم)
قال : الإسلام ، قال : هو أوسع مما بين السماء و الأرض .
و قال ابن الحنفية في قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم)
قال هو دين الله ، الذي لا يقبل من العباد غيره .
و قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم اهدنا الصراط المستقيم) ، قال : هو الإسلام .

و في [ معنى ] هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، حيث قال : حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء ، حدثنا ليث يعني ابن سعد ، عن معاوية بن صالح : أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، حدثه عن أبيه ، عن النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، و على جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، و على الأبواب ستور مرخاة ، و على باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ، ادخلوا الصراط جميعا و لا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب ، قال : ويحك ، لا تفتحه ؛ فإنك إن تفتحه تلجه .
فالصراط الإسلام ، و السوران حدود الله ، و الأبواب المفتحة محارم الله ، و ذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، و الداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم .

و هكذا رواه ابن أبي حاتم ، و ابن جرير من حديث الليث بن سعد به . و رواه الترمذي و النسائي جميعا ، عن علي بن حجر عن بقية ، عن بجير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان ، به . و هو إسناد صحيح ، و الله أعلم .

و قال مجاهد : ( اهدنا الصراط المستقيم) ، قال : الحق .
و هذا أشمل ، و لا منافاة بينه و بين ما تقدم .

و روى ابن أبي حاتم و ابن جرير ، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم ؛ حدثنا حمزة بن المغيرة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية : ( اهدنا الصراط المستقيم)
قال : هو النبي صلى الله عليه و سلم ، و صاحباه من بعده ، قال عاصم : فذكرنا ذلك للحسن ، فقال : صدق أبو العالية و نصح .

و كل هذه الأقوال صحيحة ، و هي متلازمة ، فإن من اتبع النبي صلى الله عليه و سلم ، و اقتدى باللذين من بعده أبي بكر و عمر ، فقد اتبع الحق ، و من اتبع الحق فقد اتبع الإسلام ، و من اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن ، و هو كتاب الله و حبله المتين ، و صراطه المستقيم ، فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا ، و لله الحمد .

و قال الطبراني : حدثنا محمد بن الفضل السقطي ، حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و لهذا قال الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله :
و الذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي - أعني اهدنا الصراط المستقيم - أن يكون معنيا به : وفقنا للثبات على ما ارتضيته و وفقت له من أنعمت عليه من عبادك ، من قول و عمل ، و ذلك هو الصراط المستقيم ؛ لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين ، فقد وفق للإسلام ، و تصديق الرسل ، و التمسك بالكتاب ، و العمل بما أمره الله به ، و الانزجار عما زجره عنه ، و اتباع منهاج النبي صلى الله عليه و سلم ، و منهاج الخلفاء الأربعة ، و كل عبد صالح ، و كل ذلك من الصراط المستقيم .

فإن قيل : كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة و غيرها ، و هو متصف بذلك ؟
فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا ؟

فالجواب : أن لا ، و لولا احتياجه ليلا و نهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك ؛ فإن العبد مفتقر في كل ساعة و حالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ، و رسوخه فيها ، و تبصره ، و ازدياده منها ، و استمراره عليها ، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا إلا ما شاء الله ، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة و الثبات و التوفيق ، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله ؛ فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه ، و لا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل و أطراف النهار ، و قد قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) الآية [ النساء : 136 ] ، فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان ، و ليس في ذلك تحصيل الحاصل ؛ لأن المراد الثبات و الاستمرار و المداومة على الأعمال المعينة على ذلك ، و الله أعلم .

و قال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا :
( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
و قد كان الصديق يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرا . فمعنى قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم) استمر بنا عليه و لا تعدل بنا إلى غيره .


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس
قديم 02-13-2021 ~ 06:44 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 8
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


تفسير ابن كثير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : 7]
قد تقدم الحديث فيما إذا قال العبد : ( اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخرها أن الله يقول : هذا لعبدي و لعبدي ما سأل .
و قوله : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) مفسر للصراط المستقيم . و هو بدل منه عند النحاة ، و يجوز أن يكون عطف بيان ، و الله أعلم .

(والذين أنعمت عليهم ) هم المذكورون في سورة النساء ، حيث قال :
( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ) [ النساء : 69 ، 70 ] .

و قال الضحاك ، عن ابن عباس : صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك و عبادتك ، من ملائكتك ، و أنبيائك ، و الصديقين ، و الشهداء ، و الصالحين ؛ و ذلك نظير ما قال ربنا تعالى :
( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ) الآية [ النساء : 69 ] .

و قال أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) قال : هم النبيون .
و قال ابن جريج ، عن ابن عباس : هم المؤمنون .
و كذا قال مجاهد .
و قال وكيع : هم المسلمون .
و قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم النبي صلى الله عليه و سلم و من معه .
و التفسير المتقدم ، عن ابن عباس أعم ، و أشمل ، والله أعلم .

و قوله تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )
[ قرأ الجمهور : غير بالجر على النعت ، قال الزمخشري : و قرئ بالنصب على الحال ، و هي قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم و عمر بن الخطاب ، و رويت عن ابن كثير ، و ذو الحال الضمير في ( عليهم ) و العامل : ( أنعمت ) و المعنى ]
اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم و نعتهم ، و هم أهل الهداية و الاستقامة و الطاعة لله و رسله ، و امتثال أوامره و ترك نواهيه و زواجره.
( غير صراط المغضوب عليهم) ، [ و هم ] الذين فسدت إرادتهم ، فعلموا الحق و عدلوا عنه ، و لا صراط الضالين و هم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق ، و أكد الكلام ب " لا " ليدل على أن ثم مسلكين فاسدين ، و هما طريقتا اليهود و النصارى .

و قد زعم بعض النحاة أن ( غير ) هاهنا استثنائية ، فيكون على هذا منقطعا لاستثنائهم من المنعم عليهم و ليسوا منهم ، و ما أوردناه أولى ، لقول الشاعر :
كأنك من جمال بني أقيش يقعقع عند رجليه بشن

أي : كأنك جمل من جمال بني أقيش ، فحذف الموصوف و اكتفى بالصفة ، و هكذا ،( غير المغضوب عليهم ) أي : غير صراط المغضوب عليهم .

اكتفى بالمضاف إليه عن ذكر المضاف ، و قد دل عليه سياق الكلام ، و هو قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ) ثم قال تعالى : ( غير المغضوب عليهم ) و منهم من زعم أن ( لا ) في قوله : ( ولا الضالين ) زائدة ، و أن تقدير الكلام عنده : غير المغضوب عليهم و الضالين ، و استشهد ببيت العجاج :

في بئر لا حور سرى و ما شعر

أي في بئر حور .
و الصحيح ما قدمناه .
و لهذا روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " فضائل القرآن " ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عمر بن الخطاب ، :
أنه كان يقرأ : غير المغضوب عليهم و غير الضالين . و هذا إسناد صحيح ، [ و كذا حكي عن أبي بن كعب أنه قرأ كذلك ] و هو محمول على أنه صدر منه على وجه التفسير ، فيدل على ما قلناه من أنه إنما جيء بها لتأكيد النفي ، [ لئلا يتوهم أنه معطوف على الذين أنعمت عليهم ) ] ، و للفرق بين الطريقتين ، لتجتنب كل منهما ؛ فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق و العمل به ، و اليهود فقدوا العمل ، و النصارى فقدوا العلم ؛ و لهذا كان الغضب لليهود ، و الضلال للنصارى ، لأن من علم وترك استحق الغضب ، بخلاف من لم يعلم . و النصارى لما كانوا قاصدين شيئا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه ؛ لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه ، و هو اتباع الرسول الحق ، ضلوا ، و كل من اليهود و النصارى ضال مغضوب عليه ، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب [ كما قال فيهم :
( من لعنه الله وغضب عليه ) ] [ المائدة : 60 ]
و أخص أوصاف النصارى الضلال [ كما قال : ( قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل " ] ) [ المائدة : 77 ] ، و بهذا جاءت الأحاديث و الآثار . [ و ذلك واضح بين ] . قال الإمام أحمد :
حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت سماك بن حرب ، يقول : سمعت عباد بن حبيش ، يحدث عن عدي بن حاتم ، قال :
جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأخذوا عمتي و ناسا ، فلما أتوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صفوا له ، فقالت :
يا رسول الله ، ناء الوافد و انقطع الولد ، و أنا عجوز كبيرة ، ما بي من خدمة ، فمن علي من الله عليك.
قال : من وافدك ؟
قالت : عدي بن حاتم.
قال : الذي فر من الله و رسوله !
قالت : فمن علي ، فلما رجع ، و رجل إلى جنبه ، ترى أنه علي ، قال :
سليه حملانا ، فسألته ، فأمر لها ، قال : فأتتني
فقالت : لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها ، فإنه قد أتاه فلان فأصاب منه ، و أتاه فلان فأصاب منه ، فأتيته فإذا عنده امرأة و صبيان أو صبي ، و ذكر قربهم من النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : فعرفت أنه ليس بملك كسرى و لا قيصر ، فقال :
يا عدي ، ما أفرك أن يقال لا إله إلا الله ؟
فهل من إله إلا الله ؟
قال : ما أفرك أن يقال : الله أكبر ، فهل شيء أكبر من الله عز و جل ؟ .
قال : فأسلمت ، فرأيت وجهه استبشر ، و قال : المغضوب عليهم اليهود ، و إن الضالين النصارى . و ذكر الحديث ، و رواه الترمذي ، من حديث سماك بن حرب ، و قال : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه .
قلت : و قد رواه حماد بن سلمة ، عن سماك ، عن مري بن قطري ، عن عدي بن حاتم ، قال :
سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قول الله : ( غير المغضوب عليهم ).
قال : هم اليهود
( ولا الضالين )
قال : النصارى هم الضالون .
و هكذا رواه سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم به .
و قد روي حديث عدي هذا من طرق ، و له ألفاظ كثيرة يطول ذكرها .
و قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن بديل العقيلي ، أخبرني عبد الله بن شقيق ، أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه و سلم و هو بوادي القرى ، و هو على فرسه ، و سأله رجل من بني القين ، فقال :
يا رسول الله ، من هؤلاء ؟
قال : المغضوب عليهم - و أشار إلى اليهود - و الضالون هم النصارى .
و قد رواه الجريري و عروة ، و خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، فأرسلوه ، و لم يذكروا من سمع النبي صلى الله عليه و سلم . و وقع في رواية عروة تسمية عبد الله بن عمر ، فالله أعلم .

و قد روى ابن مردويه ، من حديث إبراهيم بن طهمان ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي ذر قال :
سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المغضوب عليهم قال : اليهود ، [ قال ] قلت : الضالين ، قال : النصارى .
و قال السدي ، عن أبي مالك ، و عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، و عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، و عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : ( غير المغضوب عليهم ) هم اليهود ،( و لا الضالين ) هم النصارى .

و قال الضحاك ، و ابن جريج ، عن ابن عباس : ( غير المغضوب عليهم ) اليهود ، ولا الضالين ) [ هم ] النصارى .

و كذلك قال الربيع بن أنس ، و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، و غير واحد ، و قال ابن أبي حاتم : و لا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافا .

و شاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن اليهود مغضوب عليهم ، و النصارى ضالون ، الحديث المتقدم ، و قوله تعالى في خطابه مع بني إسرائيل في سورة البقرة :
( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ) [ البقرة : 90 ].
و قال في المائدة ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ) [ المائدة : 60 ].
و قال تعالى : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ المائدة : 78 ، 79 ] .

و في السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل ؛ أنه لما خرج هو و جماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف ، قالت له اليهود : إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله . فقال : أنا من غضب الله أفر .
و قالت له النصارى : إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله فقال : لا أستطيعه . فاستمر على فطرته ، و جانب عبادة الأوثان و دين المشركين ، و لم يدخل مع أحد من اليهود و لا النصارى ، و أما أصحابه فتنصروا و دخلوا في دين النصرانية ؛ لأنهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذاك ، و كان منهم ورقة بن نوفل ، حتى هداه الله بنبيه لما بعثه آمن بما وجد من الوحي ، .

( مسألة ) : و الصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد و الظاء لقرب مخرجيهما ؛ و ذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان و ما يليها من الأضراس ، و مخرج الظاء من طرف اللسان و أطراف الثنايا العليا ، و لأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة و من الحروف الرخوة و من الحروف المطبقة ، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك و الله أعلم .
و أما حديث : أنا أفصح من نطق بالضاد فلا أصل له و الله أعلم .

"فصل"

اشتملت هذه السورة الكريمة و هي سبع آيات فضلها ، على حمد الله و تمجيده و الثناء عليه ، بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا ، و على ذكر المعاد و هو يوم الدين ، و على إرشاده عبيده إلى سؤاله و التضرع إليه ، و التبرؤ من حولهم و قوتهم ، و إلى إخلاص العبادة له و توحيده بالألوهية تبارك و تعالى ، و تنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل ، و إلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم ، و هو الدين القويم ، و تثبيتهم عليه حتى يفضي بهم ذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة ، المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين ، و الصديقين ، و الشهداء ، و الصالحين .

و اشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ، ليكونوا مع أهلها يوم القيامة ، و التحذير من مسالك الباطل ؛ لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة ، و هم المغضوب عليهم و الضالون .
و ما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى :
( صراط الذين أنعمت عليهم )
و حذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى : ( غير المغضوب عليهم ) و إن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة ، كما قال تعالى :
( ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ) الآية [ المجادلة : 14 ] ، و كذلك إسناد الضلال إلى من قام به ، و إن كان هو الذي أضلهم بقدره ، كما قال تعالى :
( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) [ الكهف : 17 ] .
و قال : ( من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ) [ الأعراف : 186 ] .
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية و الإضلال ، لا كما تقوله الفرقة القدرية و من حذا حذوهم ، من أن العباد هم الذين يختارون ذلك و يفعلونه ، و يحتجون على بدعتهم بمتشابه من القرآن ، و يتركون ما يكون فيه صريح في الرد عليهم ، و هذا حال أهل الضلال و الغي ، و قد ورد في الحديث الصحيح :
إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم . يعني في قوله تعالى : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) [ آل عمران : 7 ] ، فليس - بحمد الله - لمبتدع في القرآن حجة صحيحة ؛ لأن القرآن جاء ليفصل الحق من الباطل مفرقا بين الهدى و الضلال ، و ليس فيه تناقض و لا اختلاف ؛ لأنه من عند الله تنزيل من حكيم حميد .

"فصل"

يستحب لمن قرأ الفاتحة أن يقول بعدها : آمين [ مثل : يس ] ، و يقال : أمين . بالقصر أيضا [ مثل : يمين ] ، و معناه : اللهم استجب ، و الدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد و أبو داود ، و الترمذي ، عن وائل بن حجر ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم قرأ : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقال : آمين ، مد بها صوته ، و لأبي داود : رفع بها صوته ، و قال الترمذي : هذا حديث حسن .
وروي عن علي ، وابن مسعود و غيرهم .

و عن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا تلا ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول ، رواه أبو داود ، و ابن ماجه ، و زاد : يرتج بها المسجد ، و الدارقطني و قال : هذا إسناد حسن .

و عن بلال أنه قال : يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين . رواه أبو داود . و نقل أبو نصر القشيري عن الحسن و جعفر الصادق أنهما شددا الميم من " آمين " مثل : ( آمين البيت الحرام ) [ المائدة : 2 ] .

قال أصحابنا و غيرهم : و يستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة ، و يتأكد في حق المصلي ، و سواء كان منفردا أو إماما أو مأموما ، و في جميع الأحوال ؛ لما جاء في الصحيحين ، عن أبي هريرة - - أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة ، غفر له ما تقدم من ذنبه.
و لمسلم : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا قال أحدكم في الصلاة : آمين ، و الملائكة في السماء : آمين ، فوافقت إحداهما الأخرى ، غفر له ما تقدم من ذنبه . [ قيل : بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الزمان ، و قيل : في الإجابة ، و قيل : في صفة الإخلاص ] .
و في صحيح مسلم عن أبي موسى مرفوعا : إذا قال ، يعني الإمام : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين . يجبكم الله .
و قال جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قلت : يا رسول الله ، ما معنى آمين ؟
قال : رب افعل .
و قال الجوهري : معنى آمين : كذلك فليكن ، و قال الترمذي : معناه : لا تخيب رجاءنا ، و قال الأكثرون : معناه : اللهم استجب لنا ، و حكى القرطبي عن مجاهد و جعفر الصادق و هلال بن كيسان : أن آمين اسم من أسماء الله تعالى، و روي عن ابن عباس مرفوعا و لا يصح ، قاله أبو بكر بن العربي المالكي .
و قال أصحاب مالك : لا يؤمن الإمام و يؤمن المأموم ، لما رواه مالك عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة :
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : و إذا قال ، يعني الإمام : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين . الحديث .
و استأنسوا - أيضا - بحديث أبي موسى : و إذا قرأ : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين .

و قد قدمنا في المتفق عليه : إذا أمن الإمام فأمنوا و أنه عليه الصلاة و السلام كان يؤمن إذا قرأ ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) و قد اختلف أصحابنا في الجهر بالتأمين للمأموم في الجهرية حكمه ، و حاصل الخلاف أن الإمام إن نسي التأمين جهر المأموم به ، قولا واحدا ، و إن أمن الإمام جهرا فالجدير أنه لا يجهر المأموم و هو مذهب أبي حنيفة ، و رواية عن مالك ؛ لأنه ذكر من الأذكار فلا يجهر به كسائر أذكار الصلاة .
و القديم أنه يجهر به ، ورهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، و الرواية الأخرى عن مالك كما تقدم : حتى يرتج المسجد .

رو لنا قول آخر ثالث : إنه إن كان المسجد صغيرا لم يجهر المأموم ، لأنهم يسمعون قراءة الإمام ، ورإن كان كبيرا جهر ليبلغ التأمين من في أرجاء المسجد ، و الله أعلم .

و قد روى الإمام أحمد في مسنده ، عن عائشة ، ا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكرت عنده اليهود ، فقال : إنهم لن يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها و ضلوا عنها ، و على القبلة التي هدانا الله لها و ضلوا عنها ، و على قولنا خلف الإمام : آمين ، و رواه ابن ماجه ، و لفظه :
ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام و التأمين ، و له عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول : آمين ، فأكثروا من قول : آمين و في إسناده طلحة بن عمرو ، و هو ضعيف .

و روى ابن مردويه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : آمين : خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين .
و عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أعطيت آمين في الصلاة و عند الدعاء ، لم يعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى ، كان موسى يدعو ، و هارون يؤمن ، فاختموا الدعاء بآمين ، فإن الله يستجيبه لكم .

قلت : و من هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة ، و هي قوله تعالى :
( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ) [ يونس : 88 ، 89 ] ، فذكر الدعاء عن موسى وحده ، و من سياق الكلام ما يدل على أن هارون أمن ، فنزل منزلة من دعا ، لقوله تعالى : ( قد أجيبت دعوتكما ) [ يونس : 89 ] ، فدل ذلك على أن من أمن على دعاء فكأنما قاله ؛ فلهذا قال من قال : إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزلة قراءتها ؛ و لهذا جاء في الحديث : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ، و كان بلال يقول : لا تسبقني بآمين . فدل هذا المنزع على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية ، و الله أعلم .

و لهذا قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن محمد بن سلام ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا جرير ، عن ليث بن أبي سليم ، عن كعب ، عن أبي هريرة ، قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا قال الإمام : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقال : آمين ، فتوافق " آمين " أهل الأرض " آمين " أهل السماء ، غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه ، و مثل من لا يقول : آمين ، كمثل رجل غزا مع قوم ، فاقترعوا ، فخرجت سهامهم ، و لم يخرج سهمه ، فقال : لم لم يخرج سهمي ؟ فقيل : إنك لم تقل : " آمين .


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس
قديم 02-13-2021 ~ 06:45 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 9
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


تفسير ابن كثير

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَظ°هِ النَّاسِ (3)مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) } [الناس : 1؛ 2؛ 3؛4 ]
هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز و جل : الربوبية ، و الملك ، و الإلهية ؛ فهو رب كل شيء و مليكه و إلهه ، فجميع الأشياء مخلوقة له ، مملوكة عبيد له ، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات ، من شر الوسواس الخناس ، و هو الشيطان الموكل بالإنسان ، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ، ولا يألوه جهدا في الخبال . والمعصوم من عصم الله ، وقد ثبت في الصحيح أنه : " ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينة " . قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، إلا أن الله أعانني عليه ، فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير " وثبت في الصحيح ، عن أنس في قصة زيارة صفية النبي صلى الله عليه و سلم و هو معتكف ، و خروجه معها ليلا ليردها إلى منزلها ، فلقيه رجلان من الأنصار ، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه و سلم أسرعا ، فقال رسول الله :
" على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي " .
فقالا سبحان الله يا رسول الله .
فقال : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، و إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ، أو قال : شرا " .

و قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا محمد بن بحر ، حدثنا عدي بن أبي عمارة ، حدثنا زياد النميري ، عن أنس بن مالك قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم ، فإن ذكر خنس ، و إن نسي التقم قلبه ، فذلك الوسواس الخناس " غريب .

و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
عثر بالنبي صلى الله عليه و سلم حماره ، فقلت : تعس الشيطان .
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " لا تقل : تعس الشيطان ; فإنك إذا قلت : تعس الشيطان ، تعاظم ، و قال : بقوتي صرعته ، و إذا قلت : بسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب " .
تفرد به أحمد إسناده جيد قوي ، و فيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان و غلب ، و إن لم يذكر الله تعاظم و غلب .

و قال الإمام أحمد : حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا الضحاك بن عثمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن أحدكم إذا كان في المسجد ، جاءه الشيطان فأبس به كما يبس الرجل بدابته ، فإذا سكن له زنقه - أو : ألجمه " . قال أبو هريرة : و أنتم ترون ذلك ، أما المزنوق فتراه مائلا - كذا - لا يذكر الله ، و أما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله عز و جل .
تفرد به أحمد


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس
قديم 02-13-2021 ~ 06:45 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 10
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


تفسير ابن كثير

( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) [الناس : 5]

هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر أو يعم بني آدم و الجن؟
فيه قولان و يكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا.
و قال ابن جرير و قد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع في إطلاق الناس عليهم.

( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس : 6]

ثم بينهم فقال : ( من الجنة والناس )
و هذا يقوي القول الثاني .
و قيل قوله : ( من الجنة والناس )
تفسير للذي يوسوس في صدور الناس ، من شياطين الإنس والجن ، كما قال تعالى :
( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ].
و كما قال الإمام أحمد :
حدثنا وكيع ، حدثنا المسعودي ، حدثنا أبو عمر الدمشقي ، حدثنا عبيد بن الخشخاش ، عن أبي ذر قال :
أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو في المسجد ، فجلست ، فقال :
" يا أبا ذر ، هل صليت ؟ "
. قلت : لا .
قال : " قم فصل " .
قال : فقمت فصليت ، ثم جلست فقال :
" يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن " .

قال : قلت : يا رسول الله ، و للإنس شياطين ؟
قال : " نعم " .
قال : قلت : يا رسول الله ، الصلاة ؟
قال : " خير موضوع ، من شاء أقل ، و من شاء أكثر " .
قلت : يا رسول الله فما الصوم ؟
قال : " فرض يجزئ ، و عند الله مزيد " .
قلت : يا رسول الله ، فالصدقة ؟
قال : " أضعاف مضاعفة " .
قلت : يا رسول الله ، أيها أفضل ؟
قال : " جهد من مقل ، أو سر إلى فقير " .
قلت : يا رسول الله ، أي الأنبياء كان أول ؟
قال : " آدم " .
قلت : يا رسول الله ، و نبي كان ؟
قال : " نعم ، نبي مكلم " .
قلت : يا رسول الله ، كم المرسلون ؟
قال : " ثلثمائة و بضعة عشر ، جما غفيرا " .
و قال مرة : " خمسة عشر " .
قلت : يا رسول الله ، أيما أنزل عليك أعظم ؟
قال : " آية الكرسي : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم )

و رواه النسائي من حديث أبي عمر الدمشقي به .
و قد أخرج هذا الحديث مطولا جدا أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، بطريق آخر ، و لفظ آخر مطول جدا ، فالله أعلم .

و قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن ذر بن عبد الله الهمداني ، عن عبد الله بن شداد ، عن ابن عباس قال :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
يا رسول الله ، إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به .
قال : فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " الله أكبر الله أكبر ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " .

و رواه أبو داود والنسائي من حديث منصور - زاد النسائي ، و الأعمش - كلاهما عن ذر به


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:58 PM