(الافندية ) وتاريخ الطبقة الوسطى في العراق

عند تأسيس الحكومة الوطنية في العراق عام1921هيمنت طبقة من موظفي الدولة الصغار على المجتمع بشكل قوي وفرضت نفسها على انها تمثل التغيير الجديد الذي شهده العراق بعد عقود من السيطرة العثمانية، ظهرت طبقة (الافندية).
وطبقة (الافندية) ليست وليدة تلك الساعة بل هي امتداد طبيعي للـ(الافندية العثمانية) التي كانت تطلق على طبقة الموظفين والمتعلمين ومواطني الدولة من غير المسلمين، خصوصاً الارمن واليهود.

ولعل ظهور الاندية الادبية والسياسية ساهم في تنامي هذه الطبقة التي تمثل أول سلم الالقاب العثمانية (الافندي ، البيك ، الباشا) وترجع في اصولها الى اللغة اليونانية ومعناها (الشريف والعظيم)، وما حدى بالدولة العثمانية الى التمسك بها واطلاقها على رعايها تقديراً لجهودهم في خدمتها ولعل التقسيم الطبقي المجتمعي جعل الاخيرة محافظة عليه لاسباب عديدة منها شراء رضا غير المسلمين من رعايها.

وتتملك (الافندية) خصوصية طبقية تميزها عن غيرها منها الملابس وغطاء الرأس ويقتصر تواجدها في الاندية والملاهي والمقاهي واصرارها على تولي الوظائف رغم انها لاتدر مبالغ كثيرة عليها ولكن الوجاهة والمكانة الاجتماعية ترفض نفسها حيث تأنف (الافندية) من ارباب الحرف، فيما ساهم تولي الملك فيصل الاول الحكم الوطني في العراق في انتعاش هذه الطبقة بعدما استبدل غطاء الرأس من (الطربوش العثماني الاحمر) الى ( السدارة السوداء) التي عرفت فيما بـ( الفيصلية) نسبة الى فيصل الاول الذي شهد عصره انفتاحاً ثقافياً وسياسياً وفكرياً ساهمت طبقة (الافندية) من زيادته من خلال الاطلاع على ثقافات الاجنبية وتأسيس منتديات أدبية وفكرية وانتشار الصحف.

وأراد فيصل الاول أن يدخل العراق من بوابة المعاصرة والاعتماد على جيل الشباب في النهضة التي كان يريدها وقد نحج الى حد ما، لكن اسلوب الترفع عن الغير هو الذي لازم طبقة (الافندية) وجعلها تعيش في الخيالات والاتكالية لدرجة أن الكثير من الشباب الذين انبهروا بهذه الطبقة اصيبوا بكثرة الديون لأجل المظاهر الكذابة.

ونالت (الافندية) كغيرها من الظواهر الاجتماعية العراقية حصتها من الاشعار والاغاني واشهرها اغينة (الافندي الافندي الله يخلي صبري صندوق أمين البصرة) وهي هذه الاغنية تعود الى بدايات نهاية الدولة العثمانية حيث غنيت من قبل مطربة بصرية معروفة في ذلك الوقت اكراماً لصبري افندي الذي ساهم في دفع بدل عن ابن المطربة وعدم ارساله الى جهات القتال في منطقة البلقان، لكن شهرتها زادت عندما غنتها سليمة مراد (باشا) وأيضاً نالت سدارة الافندي هي الاخرى حصتها من الاشعار كما في (يا حلو يا بو السدارة) و (دكم سترتك زين) وغيرها من الاشعار التي شاعت في بدايات القرن الماضي.

وبعد ثورة تموز 1985صدر أمر جمهوري بالغاء جميع الالقاب الملكية منها (الافندية) ثم بدأ التدرج في التخلي عن غطاء الرأس (السدارة) وأخذ الناس يطلقون على (الافندي) الذي يلبس البطلون والقميص بـ( المِلكي) وانخرطت الطبقة الوسطى ببقية طبقات المجتمع كالعمال والفلاحين، خصوصاً بعد اقرار مجانية التعليم وقانون محو الامية في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم الذي استعان بهذه الطبقة من معلمين ومحامين واطباء في تنفيذ قراره بعد تخلي مصر عن دعمه نتيجة للمواقفه من جمال عبد الناصر حيث كان جل المعلمين من مصر و فلسطين الذين تم سحبهم من العراق كنوع من الضغط للخضوع لمطالب عبد الناصر.

بعد هذه المرحلة انتهت (الافندية) واصبحت من الماضي في عيون من عاشها، وبعض الاشعار التي مازال يرددها الناس كنوع من ذكرى الماضي الجميل