اهلا وسهلا بكم في منتديات حزن العشاق .. يمنع نشر الأغاني والمسلسلات والأفلام وكافة الصور المحرّمة ويمنع نشر المواضيع الطائفية... منتدانا ذو رسالة ثقافية وسطية

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
smart boy
قديم 07-01-2013 ~ 02:38 AM
افتراضي ما بين خلق الله وخلق الإنسان
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 1
 
الصورة الرمزية smart boy
 
أمَــيًرْ حٌزَنٌ آلٌعَشٌــــآقٌ
تاريخ التسجيل : May 2012
العمر : 28
معدل تقييم المستوى : 24
smart boy has a spectacular aura aboutsmart boy has a spectacular aura aboutsmart boy has a spectacular aura about





ما بين خلق الله وخلق الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
ما بين خلق الله وخلق الإنسان



بسم الله الرحمن الرحيم

إن خلقَ اللهِ عزوجل هو أعم أي أشمل من خلق الإنسان لأنه سبحانه وتعالى يخلق من عدم غير موجود وكذلك من أصل موجود، قال تعالى (وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم‏)، فحقيقة أن الله عزوجل يخلق من عدم غير موجود ظاهرة في لفظ (وهو الذي يبدؤ الخلق ) أي أنه سبحانه وتعالى أنشأ أول الخلق الذي لا خلق سابق له من عدم غير موجود. أما حقيقة أنه سبحانه وتعالى يخلق من أصل موجود ظاهرة في لفظ ( ثم يعيده) أي أنه سبحانه وتعالى يعيد الحياة في الخلق بعد موته أي يبعث الحياة في أصل ميت لقوله تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) فحرف (ثم) يفيد الترتيب مع التراخي في الزمن بين حدوث الموت وحدوث البعث، وكما هو معلوم فإن البعث يكون في شيء موجود وليس في عدم غير موجود فكلمة (بعث) في اللغة: هي الإثارة أو الإيقاظ. أما الأصل الميت الذي تُبعث فيه الحياة من جديد هو عجب الذنب، وهي عظم في أسفل الظهر، وتُسمى رأس العصعص ينبت الإنسان منها يوم البعث كما ينبت نبات البقل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( كل بني آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خُلق وفيه يُركب ) وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام ( ثم ينُزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجبْ الذنبَ ومنه يركب الخلق يوم القيامة) فهذه الأحاديث الشريفة تُشير إلى حقيقة علمية وهي أن جسد الإنسان يتحلل عند موته بإستثناء رأس العصعص وقد أُثبت علمياً بأن رأس العصعص هو الأساس في تكون خلايا وأنسجة الجسم المختلفة أي أنه هو الأساس في خلق الإنسان مما يعني أنه قابل ومتهيء كي يَنبتُ الإنسان ويُبعث منه من بعد الموت، وما يؤكد ذلك أن أنوية خلايا رأس العصعص تحتوى على الخلايا الرئيسية التي تتألف منها جميع الأنسجة في الجسم، أما كيفية خلق الله عزوجل لخلقه هي بكلمة ( كن فيكون )، لقوله تعالى (بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون).

أما خلقُ الإنسان فهو أخص لأنه لا يخلق إلا من أصل موجود كما أنه ضعيف وعاجز ويحتاج إلى وسيلة، أي سبب دنيوي، تساعده على الخلق حتى لو كانت هذه الوسيلة أعضاؤه. فالإنسان يصور ويُشكل الأصل بتغيير صورته وشكله الأصلي فيُضفي على الأشياء صورة وشكلاً جديداً ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها (" أَوَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْمُصَوِّرِينَ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَحْيُوا مَا صَوَّرْتُمْ" ولكنه يعجز عن إستحداث شيئاً من عدم وكذلك يعجز عن إفناء شيئاً إلى عدم وهذا ما أثبته العلم الحديث في مبدأ حفظ المادة ومبدأ حفظ الطاقة. فمبدأ حفظ المادة ينص على أن ( المادة أي الكتلة تتحول من شكل إلى آخر ولكنها لا تُفنى أي لا تنقص، ولا تُستحدث أي لا تزيد). ومثال على ذلك: هطول المطر، فالماء يتبخر من المسطحات المائية ومن النباتات على شكل بخار ماء يصعد إلى أعلى في تيارات هوائية مُشبعة ببخار الماء فيبرد فيتكثف على شكل تجمع مرئي لجزيئات متناهية الصغر من قطيرات ماء فائق البرودة وبلورات ثلجية في وسط كمية هوائية مُشبعة ببخار الماء ثم يتزايد حجم البلورات على حساب نقصان حجم قطيرات الماء فتسقط البلورات الثلجية عندما يكبر حجمها وتهطل على شكل مطر إذا كانت درجة حرارة الهواء على سطح الأرض فوق الصفر مئوي أو تنزل على شكل ثلج إذا كانت درجة حرارة الهواء على سطح الأرض تحت الصفر مئوي. وبالتالي كمية الماء التي تتبخر على شكل بخار ماء لا تنقص ولا تزداد وإنما تتحول إلى شكل آخر وهو المطر، أي سائل، أو إلى ثلج أي صلب. أما مثال على مبدأ حفظ المادة في خلق الإنسان فهو تغييره لصورة الماء السائل وصورة التراب اللين عند خلطهما مع بعضهما البعض ليتشكلوا في صورة تمثال حجري صلب ذو كتلة متساوية لمجموع كتلة الماء وكتلة التراب بدون أي نقصان أو أي زيادة، مع الأخذ في الحسبان إمكانية تبخر جزء من الماء إلى بخار ماء خلال تصلب التمثال إلى تمثال حجري. أما مبدأ حفظ الطاقة ينص على أن ( الطاقة تتحول من شكل إلى آخر ولكنها لا تُفنى أي لا تنقص، ولا تُستحدث أي لا تزيد). ومثال على ذلك: الطاقة الحرارية التي يمتصها سطح الأرض من أشعة الشمس فيسخن ثم تنتقل إلى طبقات الهواء الملامسة له فتسخن وتقل كثافتها وتصعد إلى أعلى مما يعني أن الطاقة الحرارية التي أمتصها سطح الأرض ثم إنتقلت إلى الهواء الملامس له تحولت إلى طاقة حركية ساعدت جزيئات الهواء على الصعود إلى الأعلى، بحيث أن الطاقة الكلية للهواء تساوي مجموع الطاقة الحرارية التي إمتصها من سطح الأرض وطاقته الداخلية بدون أي زيادة أو نقصان. أما مثال على مبدأ حفظ الطاقة في خلق الإنسان هو التدفئة الكهربائية التي تُحول الطاقة الكهربائية المنقولة في الأسلاك الموصلة إليها إلى طاقة الحرارية يتم إشعاعها في الجو المحيط بها لبعث الدفء فيه، وذلك بتحويل جزء من الطاقة الكهربائية المارة في الموصل المعدني، وهو عنصر التسخين، إلى طاقة حرارية إشعاعية من سطح الموصل بسبب إرتفاع درجة حرارته بفعل مقاومته للتيار الكهربائي المار فيه. بحيث أن الجزء المتحول من الطاقة الكهربائية يساوي في المقدار مجموع الطاقة الحرارية التي يتم إشعاعها من سطح الموصل والطاقة التي يتم تخزينها في داخل الموصل دون أي زيادة أو نقصان.

وبناءاً على ذلك إذا ما أجرينا مقارنةً موجزة بين خلق الله وخلق الإنسان، نجد أن الإنسان يشترك مع الله عزوجل في الخلق من أصل بينما الله سبحانه وتعالى يختص بالخلق من عدم غير موجود ومن أجل ذلك يُعتبر خلقُ الله عزوجل للمخلوقات أعم وأشمل من خلق الإنسان للأشياء بتغيير صورتها الأصلية التي أُنشئت منها بمشيئته وإرادته سبحانه وتعالى مع فرق أن الله سبحانه وتعالى يخلق المخلوقات جميعها بكلمة (كن فيكون ) سواء خُلقت من عدم غير موجود أو من أصل موجود، بينما الإنسان لا يخلق إلا من أصل موجود وبالإستعانة بالوسائل أو الأسباب الدنيوية التي هي أصلاً من خلق الله عزوجل ولذلك قال تعالى (فتبارك الله أحسن الخالقين )، فذُكرت صفة الخالق في الآية الكريمة على صيغة جمع في إشارة إلى خلق الإنسان أو الناس بمشيئة وإرادة الله سبحانه وتعالى. مع الإشارة إلى أن مقدرة الإنسان على الخلق من أصل موجود أي أهون بكثير من إعجاز قدرة الله عزوجل في الخلق من عدم غير موجود لقوله تعالى (وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) فقال المفسرون: أي إعادة الخلق أهون على الله سبحانه وتعالى من بدئه وكلاهما هين، أي سهل، وقال ابن عباس: يعني أيسر عليه، أي أن كلاهما يسير وذلك لأن كلمة أهون هي إسم تفضيل يدل على زيادة في صفة السهولة، وكذلك قدرة الإنسان في الخلق هي ضعيفة الشأن مقارنةً مع عظمة قدرة الله عزوجل في الخلق لأنه خلق المخلوقات من أصل موجود أهون عليه سبحانه وتعالى من خلقها من عدم غير موجود، و عندما يخلق سبحانه وتعالى من أصل موجود فمن عظمة قدرته أنه يخلق بكلمة ( كن فيكون ) دون الإستعانة بأي سبب أما عندما يخلق الإنسان الأشياء من أصل موجود فإنه لا يستطيع إنجاز خلقه إلا بالإستعانة بالأسباب الدنيوية. فيبدو واضحاً كيف أن ما يخلقه الإنسان من أصل هو أهون بكثير مما يخلقه عزوجل من أصل والذي هو هين عليه وكذلك أهون عليه سبحانه وتعالى مما يخلقه هو عزوجل من عدم غير موجود، وبالتالي يزداد هون ما يخلق الإنسان من أصل أمام ما يخلق الله سبحانه وتعالى من عدم غير موجود.

أما بالنسبة لخلق الله للإنسان، فسوف أقوم أولاً بتوضيح مراحل خلق الإنسان إستناداً إلى الحقائق العلمية المعتمدة في علم الأجنة الحديث وإستناداً إلى قول المفسرين، ثم سوف أقوم بتوضيح كيف أن هذه الحقائق العلمية الحديثة هي مطابقة لنصوص الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.
أ‌) طور النظفة :

عند الجماع بين الزوجين يمر القليل من ماء الرجل من خلال المهبل إلى عنق الرحم ومنه إلى الرحم ومنه إلى قناة البويضات المتصلة بالرحم حيث يخترق هناك حيوان منوي واحد من ماء الرجل بويضة المرأة وعندئذ يحدث التخصيب فتتشكل البويضة المُلقحة ، في خلال فترة يوم من إباضة إحدى مبيضين المرأة للبويضة الناضجة ، وهذه البويضة المُلقحة يُطلق عليها إسم النطفة وقد سماها الله عزوجل نطفة أمشاج، قال تعالى (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا )، وقد عرف المُفسرون نظفة أمشاج بأنها نظفة مختلطة التي اختلط وامتزج فيها ماء الرجل بماء المرأة مع الإشارة إلى أن لفظ نطفة يُطلق أيضاً على كل من ماء الرجل مُفرداً وماء المرأة مفرداً، قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن خلق الإنسان (مِنْ كُلٍّ يُخْلَقُ : مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ ، وَمِنْ نُطْفَةِ الْمَرْأَةِ ، فَأَمَّا نُطْفَةُ الرَّجُلِ فَنُطْفَةٌ غَلِيظَةٌ ، مِنْهَا الْعَظْمُ وَالْعَصَبُ ، وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ فَنُطْفَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّمُ ). كذلك تُسمى نطفة لأنها تأخذ شكل قطرة كقطرة الماء فلفظ نطفة يُطلق على الماء القليل ولو قطرة، وفي الحديث الشريف (فلم نزل قيامًا ننتظره حتى خرج إلينا وقد اغتسل ينطف رأسه ماء ) وتتصف هذه النطفة أي البويضة المخصبة بخاصية الحركة الإنسيابية كقطرات الماء تماماً حيث تسبح في وسط سائل عائدةً إلى الرحم وفي خلال رحلة عودتها هذه تنقسم خلاياها إلى أضعافا مضاعفة وتمر بتطورات عديدة حتى تصل إلى جوف الرحم وتتعلق ببطانة الرحم وتنزرع فيه في اليوم السادس من حدوث التلقيح أو الإخصاب فتفقد حركتها الإنسيابية ويدخل الجنين في طور جديد هو طور العلقة.

ب‌) طور العلقة :

يبدأ طور العلقة من بداية الأسبوع الثاني إلى نهاية الأسبوع الثالث من التلقيح، ففي خلال الأسبوع الثاني يتعلق الجنين ببطانة الرحم المنغرس فيها وهذا ما يتوافق مع كلمة علقة كما يقول المفسرون: لفظ علقة مشتقة من علق وهو الإلتصاق والتعلق بشيء ما. بينما خلال الأسبوع الثالث تتكون لدى الجننين الأوعية الدموية المقفلة والممتلئة بالدماء المحبوسة في داخلها وبالتالي يظهر الجنين على شكل نطفة دم حمراء جامدة وهذا ما يتوافق مع معنى كلمة علق فهي تُطلق على الدم عامة وعلى شديد الحمرة وعلى الدم الجامد، وفي نهاية الأسبوع الثالث يأخذ الجنين شكل علقة مستطيلة لونها شديد الحمرة لما فيها من دم متجمد تشبه شكل الدودة التي تمتص الدماء وتعيش في الماء والخاصية الجامعة بينهما هو أن كلتاهما يتعلق بعائله ويحصل على غذائه من إمتصاص دمائه، وهذا يتوافق مع معنى كلمة العلقة فهو يُطلق على دودة في الماء، وتعيش في البرك، وتتغذى على دماء الحيوانات التي تلتصق بها، والجمع علق. فيبدو واضحا كيف أن الجنين في طور العلقة ينطبق عليه وصف العلقة في جميع مراحل الطور إبتداءاً بتعلقه ببطانة الرحم ومرورا بتجمد الدم وإنحباسه فيه وإنتهاءاً بتشكله علقة مستطيلة.

ت) طور المضغة:

يدخل الجنين في طور المضغة في بداية الأسبوع الرابع وبالتحديد في اليوم الثاني والعشرين عندما يبدأ القلب في النبض، حيث يمر طور المضغة في مرحلتين: الأولى مرحلة المُضغة الغير مُخلقة والثانية مرحلة المُضغة المُخلقة، قال تعالى (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا )، فمرحلة المُضغة الغير مُخلقة تبدأ من بداية الأسبوع الرابع حيث يكون حجم الجنين يتراوح من حجم حبة القمح إلى حجم حبة الفول، أي ( 3-5 ميلميتر) إلى الأسبوع الخامس حيث يبدو السطح الخارجي الغير منتظم للجنين وقد ظهرت عليه النتوءات أو الكتل البدنية التي بينها فراغات فيبدو الجنين بمظهر القطعة التي لا شكل ولا تخطيط واضح فيها وقد عضتها ومضغتها الأسنان وهذا ما يتوافق مع وصف المفسرين فقال ابن كثير: مضغة: قطعة كالبضعة من اللحم لا شكل فيها ولا تخطيط وقال الألوسي: قطعة لحم بقدر ما يُمضغ لا إستبانة ولا تمايز فيها. ومن أجل ذلك تُسمى هذه المرحلة بالمضغة الغير مُخلقة لعدم وضوح تَخلُق أي تشَكُل و تكون صورة الجنين الإنسانية أو تشَكُل و تكون أي عضو من أعضاء الجسم الإنساني لدى الجنين. ثم يبدأ ظهور البراعم الأولية على الجنين التي ينشأ منها بدايات اليدين والرجلين والرأس والصدر والبطن وبدايات أعضائه الداخلية خلال الأسبوع الخامس إلى نهاية الأسبوع السادس، وهذا يتوافق مع قول المفسرين، فقال ابن كثير: مضغة: قطعة كالبضعة من اللحم لا شكل فيها ولا تخطيط، ثم يُشرع في التشكيل والتخطيط فيصور منها رأس ويدان وصدر وبطن وفخدان ورجلان وسائر الأعضاء، وقال الألوسي: والمراد تفصيل حال المضغة وكونها أولا قطعة لم يظهر فيها شيء من الأعضاء ثم ظهرت بعد ذلك شيئا فشيئاً.

وقد أكدت حقائق علم الأجنة أن مرحلة التخليق تبدأ من بداية الأسبوع الرابع وتنتهي في نهاية الأسبوع الثامن وهذا يتطابق مع الوصف القرآني ( مضغة مُخلقة وغير مُخلقة ) وذلك لأنه عندما يبدأ طور المضغة إبتداءاً بمرحلة المضغة الغير مُخلقة ، يبدأ تشكل مظاهر الخلق ببداية تشكل بدن وجسد الجنين الذي لا شكل ولا تخطيط واضح فيه ولا وجود لبراعم الأعضاء والأجهزة ، أي لا وجود لبدايات أعضاء وأجهزة الجنين، ومن ثم تستمر مرحلة التخليق بتحول المضغة الغير مخلقة إلى مضغة مُخلقة، أي بظهور بدايات أعضاء وأجهزة جسد الجنين وبالتالي يتخلق أي يتشكل جسد الجنين بتخطيط وشكل واضح، بينما طور العلقة لا يُعتبر جزءاً من مرحلة التخليق لأن هيئة الجنين على شكل علقة مستطيلة لونها شديد الحمرة لا يُوحي بأي مظهر من مظاهر تخليق أو تشكيل جسد إنسان.

ث) طور العظام :

يبدأ طور العظام في بداية الأسبوع السابع وينتهي قُبيل نهايته، وفي هذا الطور تزول صورة المضغة عن شكل الجنين ويكتسب بدلاً منها صورة جديدة بتخلق أي تشكل الهيكل العظمي الغضروفي اللين الذي تظهر فيه أولى مراكز التعظم فيتصلب البدن أي يتشدد ويتقوى ويفقد لينه الذي كان عليه في طور المضغة، كقولنا تصلب عود الشجر بعد أن كان ليناً، فتتميز الرأس من الجذع وتظهر اليدين والرجلين. وهذا ما يتطابق مع قول المفسرين، فقال ابن كثير: ( فخلقنا المضغة عظاما ): يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها، وقال الألوسي: وذلك التصيير بالتصليب بما يراد جعله عظاما من المضغة وهذا تصيير بحسب الوصف وحقيقته إزالة الصورة الأولى عن المادة وإفاضة صورة أخرى عليها.

ج) طور كساء العظام باللحم:

في نهاية الأسبوع السابع وخلال الأسبوع الثامن تكسى العظام بالعضلات حتى نهاية الأسبوع الثامن حيث تتشكل وتتكون جميع أعضاء وأجهزة الجنين الداخلية والخارجية في صورة مصغرة ودقيقة وبالتالي تتشكل الملامح الأساسية للجنين وبذلك تنتهي مرحلة التخليق والتي يسميها علماء الأجنة بالمرحلة الجنينية. وهذا يتطابق مع قول المفسرين، فقال ابن كثير: ( فكسونا العظام لحما ): أي جعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه، وقال الشوكاني: أي أنبت الله سبحانه على كل عظم لحما على المقدار الذي يليق به ويناسبه. ثم يبدأ الجنين بعد الأسبوع الثامن مرحلة أخرى مختلفة يسميها علماء الأجنة بالمرحلة الحميلية، ولذلك يُعتبر طور كساء العظام باللحم الحد الفاصل بين المرحلة الجنينية والحميلية. ويسمي القرآن الكريم المرحلة الحميلية: مرحلة النشأة خلقا آخر لقوله تعالى ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) وهذا الوصف القرآني الدقيق يؤكد حقيقة أن المرحلة الجنينية هي مرحلة تخليق لأن تقدير الآية هو ( ثم أنشأناه خلقا آخر غير الخلق الذي سبقه) وذلك للفظ (خلقا آخر ) ولأن حرف (ثم) يفيد ترتيب حدوث فعل الخلق مع التراخي في الزمن، مما يفيد أن هنالك مرحلتين من الخلق حدثتا إحداهما قبل حرف (ثم) والأخرى بعد حرف (ثم) مع تراخي في الزمن بين حدوثهما، فلفظ (آخر) في اللغة: هو أحد الشيئين ويكونان من جنس واحد، أي أن المرحلة الجنينية التي تسبق حرف (ثم) نصاً هي مشتركة مع المرحلة الحميلية التي تعقب حرف (ثم) نصاً، في جنس الخلق، أي في نوع الخلق، ولكنهما مختلفتين في الخصوصية وذلك لأن المرحلة الجنينية هي مرحلة تخليق وتشكيل لبدن الجنين بملامحه الأساسية بينما المرحلة الحميلية التي تعقب المرحلة الجنينية مع تراخي في الزمن هي مرحلة نفخ الروح في الجسد لإمكانية رصد نشاط الجنين في تلك المرحلة وهذا ما سيتم توضيحه في المرحلة التالية.

ح) مرحلة النشأة خلقا آخر:

تبدأ مرحلة النشأة في الأسبوع التاسع حيث يتخذ جسد الجنين الملامح البشرية المألوفة فيتصور الجنين بالصورة البشرية المعروفة، ويبدأ الجنين بالنمو ببطء إلى الأسبوع الثاني عشر حيث يمكن تحديد جنس الجنين بتمايزالأعضاء التناسلية وظهور الأعضاء التناسلية الخارجية، ثم بعد الأسبوع الثاني عشر ينمو جسد الجنين بسرعة كبيرة حتى نهاية الحمل حيث أن هذه المرحلة تختص بتطور ونمو أعضاء وأجهزة الجنين وذلك بتهيئتها للقيام بوظائفها خارج رحم الأم بما في ذلك الجهاز التنفسي حيث يصبح مؤهلاً للقيام بوظائفه في التنفس والجهاز العصبي يصبح مؤهلاً لضبط حرارة جسم الجنين. كما تختص هذه المرحلة بنفخ الروح في الجنين أثناءها، وهذا يتطابق مع قول المفسرين فقال ابن كثير: ثم نفخنا فيه الروح فتحرك وصار خلقا آخر ذا سمع وبصروإدراك وحركة وإضطراب، وقال الألوسي: أي مباينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جُعل حيوانا ناطقا سميعا بصيرا. وقد أثبتت الأجهزة الحديثة رؤية حركات جسم الجنين وكذلك الحركات الجنينية التي تُعبر عن حيوية الجنين مثل حركات التنفس وحركات الأطراف العليا وضربات القلب وحركات عدسة العين والبلع وحركات الأمعاء الدودية في مرحلة مبكرة عند الأسبوع الثامن وقبل الأسبوع الثاني عشر. كما أنه يُمكن رصد الحركات التي تُعبر عن نشاط الجنين مثل البلع وحركة اليد إلى الفم والمضغ وحركات اللسان وحركة اليد إلى الوجه ومص الأصابع عند الأسبوع السادس عشر، أي قبل مائة وعشرين يوماً.

وهذه الحقائق والمشاهدات العلمية التي أثبتها علم الأجنة تتطابق مع حديث حذيفة بن سعيد الغفاري رضي الله عنه الذي رواه مسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ) إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة ، بعث الله إليها ملكا ، فصورها وخلق سمعها وبصرها ، وجلدها ولحمها وعظامها ، ثم قال : يا رب ، أذكر أم أنثى ؟ ، فيقضى ربك ما شاء، ويكتب الملك ثم يقول : يا رب ، أجله ؟ ، فيقول ربك ما شاء ، ويكتب الملك ثم يقول : يا رب، رزقه ؟ فيقضى ربك ما شاء ، ويكتب الملك ، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده ، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص ). فالحديث الشريف يُشير إلى أن تصوير جسد الجنين، أي تشكل الجنين بالصورة البشرية المعهودة، بتشكل ملامح السمع، أي الأذنين، وملامح البصر، أي العينين، والجلد واللحم والعظم بعد اليوم الثاني والأربعين من التلقيح. وهذا ما أكدته حقائق علم الأجنة حيث أن صورة الجنين البشرية المألوفة تظهر في الأسبوع التاسع، وكذلك أكد علم الأجنة أن أعضاء الجنين التناسلية تتمايز وتظهر الأعضاء التناسلية الخارجية في الأسبوع الثاني عشر، أي كذلك بعد اليوم الثاني والأربعين. وبناءاً على هذا كله يُمكن إستنتاج الفترة الزمنية التي تُنفخ فيها الروح في جسد الجنين، وهي الفترة ما بين الأسبوع الثاني عشر والأسبوع السادس عشر ( والله أعلم )، وذلك لأن إختلاف الجنس يقتضي إختلاف الروح لأن إختلاف سلوك وإنفعالات الجسد بين الذكر والأنثى سببه إختلاف إنفعالات وسلوك الروح بين الذكر والأنثى، وبالتالي إختلاف الروح يقتضي نفخ الروح في الجنين من أجل الفصل في مسألة جنس الجنين وحدوث هذا يُرجح بعد الأسبوع الثاني عشر لزوماً لتمايز الأعضاء الجنسية وظهور الأعضاء الجنسية الخارجية لأنه لا يستقيم أن تُنفخ روح ذكرية على سبيل المثال في جسد لم يتميز بالذكورة،أي بأعضاء ذكرية ، مع الإشارة إلى أن معظم الأعضاء الجنسية الذكرية هي خارجية بينما معظم الأعضاء الجنسية الأنثوية هي داخلية. فعندما يتحدد جنس الجنين عند الأسبوع الثاني عشر، يصبح جسد الجنين مُهيأ لنفخ الروح فيه سواء روح ذكرية في جنين ذكر أو روح أنثوية في جنين أنثى وهذا ما أشار إليه الحديث الشريف، في قوله عليه الصلاة والسلام (فصورها وخلق سمعها وبصرها ، وجلدها ولحمها وعظامها ، ثم قال : يا رب ، أذكر أم أنثى ؟ )، فتصوير الجنين بسمعه وبصره وجلده ولحمه وعظمه على الصورة البشرية المألوفة يمكن ملاحظته في الأسبوع التاسع كما أكد علم الأجنة، وبعد ذلك عند الأسبوع الثاني عشر عندما تتمايز الأعضاء التناسلية وتظهر الأعضاء التناسلية الخارجية، يُرجح نفخ الروح بعد ذلك وهذا ظاهر في لفظ ( يا رب، أذكر أم أنثى؟ )، وجزماً الروح تُنفخ في الجنين قبل الأسبوع السادس عشر لأنه كما أثبت علم الأجنة أنه يُمكن رصد الحركات التي تُعبر عن نشاط الجنين مثل البلع وحركة اليد إلى الفم ومص الأصابع وحركات اللسان والمضغ وحركة اليد على الوجه عند الأسبوع السادس عشر، وهذا النوع من الحركات تُشير بكل وضوح لا لُبس فيه بأنها تصدر عن إرادة ورغبة إنسانية. أما بالنسبة لحركات جسم الجنين والحركات الجنينية التي تُعبر عن حيوية الجنين والتي يُمكن رؤيتها في وقت مبكر بعد الأسبوع الثامن وقبل الأسبوع الثاني عشر، فقد تكون هذه الحركات هي حركات تمهيدية وتهيئية لأعضاء وأجهزة الجنين الداخلية والخارجية التي تشكلت عند نهاية الأسبوع الثامن، من أجل غاية نفخ الروح في الجنين، وما يؤكد ذلك أن قلب الجنين يبدأ بالنبض في بداية الأسبوع الثالث ونبضات قلب الجنين تدل على حيوية الجنين بالرغم من أنه لا يُتوقع أبداً أن تُنفخ الروح في الجنين قبل نهاية المرحلة الجنينية أي قبل نهاية الأسبوع الثامن (والله أعلم ).

أما الآن بعدما تم شرح وتوضيح أطوار خلق الجنين من التلقيح، أي الإخصاب، إلى مرحلة إنشائه خلقاً آخر، فسوف أُوضح كيف أن نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة جاءت مُطابقة لما أثبته علم الأجنة في ذلك. فلو نظرنا إلى حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي رواه مسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أَنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتْبِ رِزْقِهِ ، وَأَجَلِهِ ، وَعَمَلِهِ ، وَشَقِيٌّ ، أَوْ سَعِيدٌ ). فالحديث النبوي الشريف يُشير إلى حقيقة تخلق أي تشكُل جسد الجنين في صورته الإبتدائية في نهاية طور المُضغة، أي في نهاية الأسبوع السادس، في لفظ مُجمل هو ( أحدكم يُجمع خلقه) أي أن خلق جسد الجنين يجمع خلقه أي تشكيله في بطن أمه أربعين يوماً وكما هو معلوم فإن تجمع الخلايا المتشابهة في الشكل والتركيب والوظيفة وإلتصاقها مع بعضها البعض يكون النسيج، كالنسيج الطلائي الذي يكون طبقة البشرة في جلد الإنسان، وتجمع الأنسجة المختلفة في التركيب وإرتباطها مع بعضها البعض يُكون العضو كعضو القلب، وتجمع الأعضاء المختلفة وإتصالها مع بعضها البعض يكون الجهاز، كالجهاز الهضمي المكون من الفم والبلعوم والمريء والمعدة والأمعاء، وتجمع الأجهزة المختلفة كالجهاز الهضمي والجهاز الدوراني والجهاز التنفسي وغيرها من الأجهزة وعملها مع بعضها البعض يُشكل جسد الإنسان. وهذا ما يصفه الحديث الشريف بدقة فعبارة ( يجمع خلقه ) تصف تخلق أو تشكل خلق الجنين في صورته الإبتدائية في الأربعين اليوم الأولى، حيث تظهر البراعم الأولية لأجهزة جسم الجنين بتجمع بداءات أعضاء هذه الأجهزة، وبتجمع الخلايا والأنسجة الغير مكتملة النمو والمكونة لهذه الأعضاء وبالتالي يبدو واضحا كيف أن الجنين يتشكل ويتكون خلقه في صورته الإبتدائية بتجمع خلاياه وأنسجته وبراعم أعضائه المكونة لأجهزته، أي أن خلق الجنين يجمع في أربعين يوماً من خلال جمع مكونات جسده وضمها إلى بعضها البعض. ولفظ ( ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك )، يفيد بأن الجنين يكون في فترة الأربعين يوما علقة مجتمعة ومكتملة في خلقها وتكوينها مثلما اجتمع واكتمل خلق الجنين في صورته الإبتدائية في الأربعين يوم، لأن حرف (ثم) يعطف اسم الإشارة (ذلك) في كلمة (في ذلك) على الظرف الزماني (أربعين يوما)، دون إفادة الترتيب بينهما لأن مضمون النص يمنع ذلك وبالتالي كلمة (في ذلك) تعود على الأربعين يوما. بينما كلمة (مثل ذلك) تعود على تجمع خلق الجنين فنصب كلمة ( مثل ذلك ) على المصدر، الذي هو الخلق، وليس على الظرف الزماني، أي الأربعين يوم. وهذا ما توصل إليه الزملكاني في القرن السابع الهجري، فقال: معنى يجمع في بطن أمه، أي يحكم ويتقن، ومنه رجل جميع أي مجتمع الخلق. فهما متساويان في مسمى الإتقان والإحكام لا في خصوصه، ثم إنه يكون مضغة في حصتها أيضا من الأربعين، محكمة الخلق مثلما أن صورة الإنسان محكمة بعد الأربعين يوما فنصب (مثل ذلك) على المصدر لا على الظرف. ثم يكون في فترة الأربعين يوما مضغة مجتمعة ومكتملة في خلقها وتكوينها مثلما اجتمع واكتمل خلق الجنين في صورته الإبتدائية في الأربعين يوم، ثم تُنفخ الروح في الجنين عندما يدخل في مرحلة النشأة خلقا آخر. أما التعارض الذي حصل بين حقائق علم الأجنة و الفهم الخاطئ لحديث ظني الدلالة وهو رواية الإمام البخاري لحديث ابن مسعود هو بسبب الفهم الخاطئ لمعنى كلمة (مثل ذلك) على أنه يفيد مثلية في الأربعينات من الأيام، وما عمق المفهوم الخاطئ لأطوار الجنين في رواية البخاري هو إدراج كلمة (نظفة) في عبارة ( في بطن أمه أربعين يوما ). أما رواية أخرى لنفس الحديث ونفس الراوي رواها الإمام مسلم بزيادة لفظ (في ذلك) في المتن بينت القضية بوضوح لا لبس فيه وأزالت التعارض الذي ظهر سابقاً مع حقائق علم الأجنة. وكذلك قوله تعالى ) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين)، يطابق حقائق علم الأجنة في أطوار خلق الجنين فالآية الكريمة تتحدث عن أصل خلق الإنسان من طين لأن أبو البشرية جمعاء سيدنا آدم عليه السلام خلقه الله الملك الخالق العظيم من طين، قال تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (إن اللّه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك). ثم تتحدث عن أطوار خلق الجنين إبتداءاً من إمتزاج ماء الرجل بماء المرأة وحدوث التخصيب وتشكل البويضة الملقحة في الرحم، وهذا ظاهر في لفظ (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين )، ثم تحول النطفة إلى علقة، وهذا ظاهر في لفظ (ثم خلقنا النطفة علقة )، ثم تحول العلقة إلى مضغة، وهذا ظاهر في لفظ (فخلقنا العلقة مضغة )، ثم تحول المضغة إلى عظام، وهذا ظاهر في لفظ (فخلقنا المضغة عظاما)، ثم كساء العظام باللحم، وذلك ظاهر في لفظ (فكسونا العظام لحما)، ثم نمو الجنين ونشأته خلقا آخر بنفخ الروح فيه، وهذا ظاهر في لفظ (ثم أنشأناه خلقا آخر).

فيبدو واضحاً وجلياً كيف أن الإنسان هو مخلوق ضعيف بحاجة شديدة لرحمة الله الملك العظيم الرحمن الرحيم خلال أطوار خلقه وحتى مماته، ومع ذلك تجده خصيم مبين لخالقه العظيم، قال تعالى (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)، فتجد من يكفر بالله عزوجل ويصد عن سبيله ويتمادى إلى ما هو أعظم من ذلك بإدعائه الألوهية أو إنكار وجود الله عزوجل أو التجرؤ على سب الله عزوجل والعياذ بالله من هكذا كفر وجحود. لأجل ذلك كتب الله الملك العظيم الحكم العدل على هؤلاء الخلود في جهنم، خلود دائم غير مقطوع وغير منقوص جزاءاً عدلاً، فجرم الكفر بالله عزوجل ليس بالجرم الهين. فإبليس اللعين لمجرد إستكباره على أمر الله الملك الخالق العظيم المهيمن بالسجود لسيدنا آدم عليه السلام، طرده الله سبحانه وتعالى من رحمته وأمهله إلى يوم القيامة ليدخل جهنم مذموماً ملعوناً خالداً فيها، وذلك لسببين: الأول: أنه عصى الله عزوجل في حضرة الله الملك العظيم، وعصيان الله سبحانه وتعالى بالغيب أخفُ جرماً بكثير من عصيانه في حضرته من دون رؤيته عزوجل، وما يؤكد ذلك آيات كريمة في وصف بيان كمال عبودية، عباد الله المكرمون، الملائكة لله تعالى وكمال أدبهم وطاعتهم وتعظيمهم لربهم وخالقهم الملك العظيم القدوس. قال تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ). وكذلك آيات كريمة في وصف مشاهد خضوع وخشوع وإستكانة الخلق جميعا لخالقهم الله الملك العظيم يوم القيامة. قال تعالى (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا). ومن أجل ذلك كان الله الملك العظيم يتوعد أنبيائه عليهم الصلاة والسلام بعذاب عظيم إذا ما تعمدوا معصيته سبحانه وتعالى أو الخروج عن طاعته طبعاً على سبيل الإفتراض،قال تعالى (ولوْ تقول عليْنا بعْض الْأقاوِيلِ * لأخذْنا مِنْهُ بِالْيمِينِ * ثُمّ لقطعْنا مِنْهُ الْوتِين * فما مِنْكُمْ مِنْ أحدٍ عنْهُ حاجِزِين * وإِنّهُ لتذْكِرةٌ لِلْمُتّقِين)، لأنه سبحانه وتعالى في علمه السابق يعلم صدق نيتهم وصدق عملهم فلم يُذكر أن نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غضب الله سبحانه وتعالى عليه لأنه عصاه، ومع ذلك من كان يُخطئ منهم خطأً غير مقصود كان يُعاقب عقاباً شديداً مقارنةً مع باقي البشر لأنه كما قيل ( حسنات الأبرار سيئات المقربين)، فعلى سبيل المثال عندما أنسى الشيطان سيدنا يوسف عليه السلام ذكر ودعاء الله عزوجل ورجاء الفرج من عنده سبحانه وتعالى وأمره بذكر الملك وإبتغاء الفرج من عنده، فعاقبه الله سبحانه وتعالى بأن لبث في السجن سبع سنين، وكذلك سيدنا يونس عليه السلام عندما غضب على قومه وفارقهم لعدم صبره على أذاهم دون أن يأمره الله عزوجل بذلك، فأمر الله عزوجل الحوت بإبتلاعه ثم نجاه الله عزوجل ورحمه لتوبته وإستغفاره وتسبيحه الله عزوجل. وذلك لأنهم على إتصال مُباشر مع الله عزوجل بالوحي فمن كان ينزل الوحي على قلبه فلا يمكن لهذا القلب إلا أن يهتز ويتزلزل من شدة حب الله سبحانه وتعالى ومن شدة خشيته عزوجل. أما السبب الثاني: إن إبليس اللعين لم يغويه ولم يُضله ولم يفتنه أحد كي يعصي الله الملك الخالق العظيم، وإنما عصى واستكبر على أمر الله عزوجل من ذات وتلقاء نفسه.

وفي النهاية أود أن أوضح وجه من أوجه عظمة الله الملك الخالق العظيم المتجلية في تسبيح جميع المخلوقات له سبحانه وتعالى طواعية وكراهية. فكما هو معلوم التسبيح له وجهان متلازمان، وهما التسبيح الروحي المعنوي الغير محسوس والتسبيح المادي المحسوس، فالإنسان على سبيل المثال يُسبح في قلبه ولسانه وجوارحه تسبيحاً معنوياً، وكذلك يُسبح بطلبه للرزق تسبيحاً مادياً. وكذلك الحجارة والخشب والهوام والحشرات والألون لها تسبيحاً مميزاً لها يُناسبها أودعه الله الملك الخالق العظيم فيها وهو مُخالف في خصوصيته لتسبيح الإنسان كما ذُكر في الحديث الموقوف عن ابن مسعود رضي الله عنه (كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه )، فجميعها لا تُسبح الله عزوجل لفظاً وإنما تسبيحها لا يفقهه الإنسان لقوله تعالى (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا). أما بالنسبة لتسبيح المخلوقات المادي المحسوس فهو يتمثل في الطلب المستمر والغير منقطع لعطاء الله عزوجل في الكون وفي الطبيعة وفق القوانين المادية التي سخرها الله عزوجل للمخلوقات جميعها، لأن تسبيح الله عزوجل هو تمجيده وتقديسه وتنزيهه عن كل نقص لأنه سبحانه وتعالى المُعطي لجميع خلقه دون أن ينقص ذلك من مُلكه مثقال ذرة ودون أن يُعجزه ذلك ودون أن يحتاج أحداً من خلقه، وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،( قال : " يقول الله : يا بن آدم ، كلكم مذنب إلا من عافيت. فاستغفروني أغفر لكم ، وكلكم فقراء إلا من أغنيت ، فسلوني أعطكم ، وكلكم ضال إلا من هديت ، فسلوني الهدى أهدكم ، ومن استغفرني وهو يعلم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي ، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أشقى واحد منكم ، ما نقص ذلك من سلطاني مثل جناح بعوضة ، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أتقى واحد منكم ، ما زادوا في سلطاني مثل جناح بعوضة ، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم سألوني حتى تنتهي مسألة كل واحد منهم ، فأعطيتهم ما سألوني ما نقص ذلك مما عندي كغرز إبرة غمسها أحدكم في البحر ، وذلك أني جواد ماجد واجد عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له : كُنْ فَيَكُونُ سورة النحل آية 40 "). وحمدُ الله عزوجل هو الثناء عليه سبحانه وتعالى وشكر نعمته وعطائه المستمر الغير منقطع، فتجد أنه ما من شيء من إنسان وحيوان ونبات وجماد إلا يسعى في كل حركاته وسكناته إلى كل ما هو ضروري من عطاء الله المُعطي من أجل إستمرارية بقائه وكيانه وبنائه وفق القوانين المادية المختلفة والمُسخرة للمخلوقات جميعها للوصول إلى الإستقرار والإتزان. فتجد الإنسان يسعى إلى الماء والطعام وحتى تجد سعيه إلى الهواء لا ينقطع لحظة واحدة من أجل إستمرارية حياته ووصوله إلى الإتزان، وهذا ينطبق على الحيوان والنبات والجماد بإختلاف خصوصية كل منها فعلى سبيل المثال تجد أشعة الحرارة تنتقل من المصدر الساخن إلى المصدر البارد أو الأقل سخونة كي تصل إلى حالة الإستقرار والإتزان، وكذلك تجد العناصر والجزيئات المادية تنتقل من البيئة التي يكون تركيزها فيها أكثر إلى البيئة التي يكون تركيزها فيها أقل من أجل الوصول إلى الإتزان والإستقرار، وهذا مطابق لما قاله بعض السَّلَف بأن صَرِير الْبَاب تَسْبِيحه وَخَرِير الْمَاء تَسْبِيحه. مما يعني أن ما من شيء في السموات والأرض إلا هو خاضع ومقهور لتمجيد وتقديس الله عزوجل والثناء عليه وشكر نعمته بسعيه المستمر والغير منقطع إلى طلب عطاء الله عزوجل الدائم من رزق في الطعام والشراب والهواء والمال والبنين والسكن وغير ذلك، وبالتالي فإن تسبيح المخلوقات بحمد الله عزوجل طوعاً وكرهاً لا ينقطع، فتبارك الله أحسن الخالقين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
  رد مع اقتباس
اسمر حبيبتي هيه القانون
قديم 07-02-2013 ~ 04:35 PM
افتراضي رد: ما بين خلق الله وخلق الإنسان
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 2
 
الصورة الرمزية اسمر حبيبتي هيه القانون
 
http://www.chat-hozn3.com/up/uploads/1366577570251.gif
تاريخ التسجيل : Aug 2011
معدل تقييم المستوى : 48
اسمر حبيبتي هيه القانون ادارة


تتوقف لحضات الفرح امام ابداعاتك
الجميله الرقيقه إإجلالـه وٍ إإح‘ـترأأمـأ
لك لكلٍ النقاء الذي نثرتي هنااا
شكرأ لمهجودك العظيم
بنتظأر المزيد من ابداعاتك
بشوق ودي قبل ردي
تقبل مروري المتواضع
اسمرٍ مرٍ من هناا <
  رد مع اقتباس
مــــلــــوكـــه
قديم 07-06-2013 ~ 07:00 AM
افتراضي رد: ما بين خلق الله وخلق الإنسان
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 3
 
الصورة الرمزية مــــلــــوكـــه
 
1409683700141.png - 46.37 KB
تاريخ التسجيل : May 2012
معدل تقييم المستوى : 111
مــــلــــوكـــه ادارةمــــلــــوكـــه ادارة


جزآك الله الف خير ..
يعطيك العافيه ع الطرح القيم..~|
لكِ,, ودي..
  رد مع اقتباس
الادميرال ميمو
قديم 07-07-2013 ~ 05:25 AM
افتراضي رد: ما بين خلق الله وخلق الإنسان
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 4
 
الصورة الرمزية الادميرال ميمو
 
تاريخ التسجيل : Jun 2011
معدل تقييم المستوى : 25
الادميرال ميمو ادارةالادميرال ميمو ادارة


صباح الخيرات
بارك الله بيك
عاشت الايادي
تحياتي واحترامي
  رد مع اقتباس
همس الربيع
قديم 07-07-2013 ~ 11:11 AM
افتراضي رد: ما بين خلق الله وخلق الإنسان
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 5
 
الصورة الرمزية همس الربيع
 
مشرفة سابقا VIP
تاريخ التسجيل : Apr 2011
معدل تقييم المستوى : 72
همس الربيع will become famous soon enough


جزآك الله الف خير
وجعلها في ميزان حسناتك..
يعطيك العافيه
تحياتي

  رد مع اقتباس
قديم 07-07-2013 ~ 04:03 PM
افتراضي رد: ما بين خلق الله وخلق الإنسان
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 6
 
الصورة الرمزية ورد الملائكه
 
http://www.chat-hozn3.com/up/uploads/1416837935791.gif
تاريخ التسجيل : Jul 2010
معدل تقييم المستوى : 10
ورد الملائكه has a reputation beyond reputeورد الملائكه has a reputation beyond reputeورد الملائكه has a reputation beyond reputeورد الملائكه has a reputation beyond reputeورد الملائكه has a reputation beyond reputeورد الملائكه has a reputation beyond reputeورد الملائكه has a reputation beyond reputeورد الملائكه has a reputation beyond reputeورد الملائكه has a reputation beyond reputeورد الملائكه has a reputation beyond reputeورد الملائكه has a reputation beyond repute



بارك الله فيك على منقولك الطيب

لا حرمناك مجهودك الحلو


وردي

  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع أقاربه وأهل بيته smart boy المنتدى الاسلامي العام 4 07-07-2013 05:06 AM
الأحاديث النبوية *** أبواب التطوع همس الربيع المنتدى الاسلامي العام 4 06-30-2013 02:52 PM
الأحاديث النبوية *** أبواب العمل في الصلاة همس الربيع المنتدى الاسلامي العام 8 06-30-2013 02:48 PM
خمسون حديثا في فضائل الأعمال والأقوال مــــلــــوكـــه المنتدى الاسلامي العام 3 06-29-2013 04:23 PM
عقيل بن ابى طالب مــــلــــوكـــه قسم المواضيع المحذوفه والمكرره - Archive 4 06-24-2013 03:34 AM


الساعة الآن 04:18 AM