اهلا وسهلا بكم في منتديات حزن العشاق .. يمنع نشر الأغاني والمسلسلات والأفلام وكافة الصور المحرّمة ويمنع نشر المواضيع الطائفية... منتدانا ذو رسالة ثقافية وسطية

الإهداءات

20 معجبون
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-21-2015 ~ 02:43 AM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 101
 
الصورة الرمزية رقة فتاة
 
مدير عام منتديات حزن العشاق http://gulf-up.com/do.php?img=228429
تاريخ التسجيل : Feb 2013
معدل تقييم المستوى : 10
رقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond repute


المعاصي تسبب حرمان دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوة الملائكة ، فإن الله سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، وقال تعالى : الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم [ سورة غافر : 7 - 9 ] .

فهذا دعاء الملائكة للمؤمنين التائبين المتبعين لكتابه وسنة رسوله الذين لا سبيل لهم غيرهما ، فلا يطمع غير هؤلاء بإجابة هذه الدعوة ، إذ لم يتصف بصفات المدعو له بها ، والله المستعان .
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2015 ~ 02:43 AM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 102
 
الصورة الرمزية رقة فتاة
 
مدير عام منتديات حزن العشاق http://gulf-up.com/do.php?img=228429
تاريخ التسجيل : Feb 2013
معدل تقييم المستوى : 10
رقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond repute


ومن آثار الذنوب والمعاصي : أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء ، والزرع ، والثمار ، والمساكن ، قال تعالى : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون [ سورة الروم : 41 ] .

قال مجاهد : إذا ولي الظالم سعى بالظلم والفساد فيحبس الله بذلك القطر ، فيهلك الحرث والنسل ، والله لا يحب الفساد ، ثم قرأ : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون [ سورة الروم : 41 ] .
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2015 ~ 02:44 AM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 103
 
الصورة الرمزية رقة فتاة
 
مدير عام منتديات حزن العشاق http://gulf-up.com/do.php?img=228429
تاريخ التسجيل : Feb 2013
معدل تقييم المستوى : 10
رقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond repute


المعاصي تزيل النعم

ومن عقوبات الذنوب : أنها تزيل النعم ، وتحل النقم ، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلت به نقمة إلا بذنب ، كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا رفع إلا بتوبة .

وقد قال تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [ سورة الشورى : 30 ] .

وقال تعالى : ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم [ سورة الأنفال : 53 ] .

فأخبر الله تعالى أنه لا يغير نعمه التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه ، فيغير طاعة الله بمعصيته ، وشكره بكفره ، وأسباب رضاه بأسباب سخطه ، فإذا غير غير عليه ، جزاء وفاقا ، وما ربك بظلام للعبيد .

فإن غير المعصية بالطاعة ، غير الله عليه العقوبة بالعافية ، والذل بالعز .

وقال تعالى : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال [ سورة الرعد : 11 ] .

وفي بعض الآثار الإلهية ، عن الرب تبارك وتعالى أنه قال : وعزتي وجلالي ، لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب ، ثم ينتقل عنه إلى ما أكره ، إلا انتقلت له مما يحب إلى ما يكره ، ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره ، فينتقل عنه إلى ما أحب ، إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب .

وقد أحسن القائل :
إذا كنت في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعم [ ص: 75 ] وحطها بطاعة رب العبا
د فرب العباد سريع النقم

وإياك والظلم مهما استطع
ت فظلم العباد شديد الوخم وسافر بقلبك بين الورى
لتبصر آثار من قد ظلم فتلك مساكنهم بعدهم
شهود عليهم ولا تتهم وما كان شيء عليهم أض
ر من الظلم وهو الذي قد قصم فكم تركوا من جنان ومن
قصور وأخرى عليهم أطم صلوا بالجحيم وفات النعي
م وكان الذي نالهم كالحلم
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2015 ~ 02:45 AM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 104
 
الصورة الرمزية رقة فتاة
 
مدير عام منتديات حزن العشاق http://gulf-up.com/do.php?img=228429
تاريخ التسجيل : Feb 2013
معدل تقييم المستوى : 10
رقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond repute


المعاصي تمرض القلوب

ومن عقوباتها : أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه ، فلا يزال مريضا معلولا لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه ، فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان ، بل الذنوب أمراض القلوب وداؤها ، ولا دواء لها إلا تركها .

وقد أجمع السائرون إلى الله أن القلوب لا تعطى مناها حتى تصل إلى مولاها ، ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة ، ولا تكون صحيحة سليمة حتى ينقلب داؤها ، فيصير نفس دوائها ، ولا يصح لها ذلك إلا بمخالفة هواها ، فهواها مرضها ، وشفاؤها مخالفته ، فإن استحكم المرض قتل أو كاد .

وكما أن من نهى نفسه عن الهوى كانت الجنة مأواه ، فكذا يكون قلبه في هذه الدار في جنة عاجلة ، لا يشبه نعيم أهلها نعيما البتة ، بل التفاوت الذي بين النعيمين ، كالتفاوت الذي بين نعيم الدنيا والآخرة ، وهذا أمر لا يصدق به إلا من باشر قلبه هذا وهذا .

ولا تحسب أن قوله تعالى : إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم [ سورة الانفطار : 13 - 14 ] مقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط بل في دورهم الثلاثة كذلك - أعني دار الدنيا ، ودار البرزخ ، ودار القرار - فهؤلاء في نعيم ، وهؤلاء في جحيم ، وهل النعيم إلا نعيم القلب ؟ وهل العذاب إلا عذاب القلب ؟ وأي عذاب أشد من الخوف والهم والحزن ، وضيق الصدر ، وإعراضه عن الله والدار الآخرة ، وتعلقه بغير الله ، وانقطاعه عن الله ، بكل واد منه شعبة ؟ وكل شيء تعلق به وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب .

[ ص: 77 ] فكل من أحب شيئا غير الله عذب به ثلاث مرات في هذه الدار ، فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل ، فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سلبه وفواته ، والتنغيص والتنكيد عليه ، وأنواع من العذاب في هذه المعارضات ، فإذا سلبه اشتد عليه عذابه ، فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار .

وأما في البرزخ : فعذاب يقارنه ألم الفراق الذي لا يرجو عودة وألم فوات ما فاته من النعيم العظيم باشتغاله بضده ، وألم الحجاب عن الله ، وألم الحسرة التي تقطع الأكباد ، فالهم والغم والحزن تعمل في نفوسهم نظير ما يعمل الهوام والديدان في أبدانهم ، بل عملها في النفوس دائم مستمر ، حتى يردها الله إلى أجسادها ، فحينئذ ينتقل العذاب إلى نوع هو أدهى وأمر ، فأين هذا من نعيم من يرقص قلبه طربا وفرحا وأنسا بربه ، واشتياقا إليه ، وارتياحا بحبه ، وطمأنينة بذكره ؟ حتى يقول بعضهم في حال نزعه : واطرباه .

ويقول الآخر : مساكين أهل الدنيا ، خرجوا منها وما ذاقوا لذيذ العيش فيها ، وما ذاقوا أطيب ما فيها .

ويقول الآخر : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف .

ويقول الآخر : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .

فيا من باع حظه الغالي بأبخس الثمن ، وغبن كل الغبن في هذا العقد وهو يرى أنه قد غبن ، إذا لم يكن لك خبرة بقيمة السلعة فسل المقومين ، فيا عجبا من بضاعة معك الله مشتريها وثمنها جنة المأوى ، والسفير الذي جرى على يده عقد التبايع وضمن الثمن عن المشتري هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقد بعتها بغاية الهوان ، كما قال القائل :


إذا كان هذا فعل عبد بنفسه فمن ذا له من بعد ذلك يكرم


ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء [ سورة الحج : 18 ] .
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2015 ~ 02:46 AM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 105
 
الصورة الرمزية رقة فتاة
 
مدير عام منتديات حزن العشاق http://gulf-up.com/do.php?img=228429
تاريخ التسجيل : Feb 2013
معدل تقييم المستوى : 10
رقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond repute


المعاصي تسقط الكرامة

ومن عقوباتها : سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه ، فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم ، وأقربهم منه منزلة أطوعهم له ، وعلى قدر طاعة العبد تكون له منزلته عنده ، فإذا عصاه وخالف أمره سقط من عينه ، فأسقطه من قلوب عباده ، وإذا لم يبق له جاه عند الخلق وهان عليهم عاملوه على حسب ذلك ، فعاش بينهم أسوأ عيش خامل الذكر ، [ ص: 80 ] ساقط القدر ، زري الحال ، لا حرمة له ولا فرح له ولا سرور ، فإن خمول الذكر وسقوط القدر والجاه معه كل غم وهم وحزن ، ولا سرور معه ولا فرح ، وأين هذا الألم من لذة المعصية لولا سكر الشهوة ؟

ومن أعظم نعم الله على العبد : أن يرفع له بين العالمين ذكره ، ويعلي قدره ، ولهذا خص أنبياءه ورسله من ذلك بما ليس لغيرهم ، كما قال تعالى : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار [ سورة ص 45 : - 46 ] .

أي : خصصناهم بخصيصة ، وهو الذكر الجميل الذي يذكرون به في هذه الدار ، وهو لسان الصدق الذي سأله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال : واجعل لي لسان صدق في الآخرين [ سورة الشعراء : 84 ] .

وقال سبحانه وتعالى عنه وعن بنيه : ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا [ سورة مريم : 50 ] .

وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم : ورفعنا لك ذكرك [ سورة الشرح : 4 ] .

فأتباع الرسل لهم نصيب من ذلك بحسب ميراثهم من طاعتهم ومتابعتهم ، وكل من خالفهم فإنه بعيد من ذلك بحسب مخالفتهم ومعصيتهم .
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2015 ~ 02:46 AM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 106
 
الصورة الرمزية رقة فتاة
 
مدير عام منتديات حزن العشاق http://gulf-up.com/do.php?img=228429
تاريخ التسجيل : Feb 2013
معدل تقييم المستوى : 10
رقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond repute


المعصية تؤثر في العقل

ومن عقوباتها : أنها تؤثر بالخاصة في نقصان العقل ، فلا تجد عاقلين أحدهما مطيع لله والآخر عاص ، إلا وعقل المطيع منهما أوفر وأكمل ، وفكره أصح ، ورأيه أسد ، والصواب قرينه .

ولهذا تجد خطاب القرآن إنما هو مع أولي العقول والألباب ، كقوله : واتقون ياأولي الألباب [ سورة البقرة : 197 ] ، وقوله : فاتقوا الله ياأولي الألباب لعلكم تفلحون [ سورة المائدة : 100 ] ، وقوله : وما يذكر إلا أولو الألباب [ سورة البقرة : 269 ] ، ونظائر ذلك كثيرة .

وكيف يكون عاقلا وافر العقل من يعصي من هو في قبضته وفي داره ، وهو يعلم أنه يراه ويشاهده فيعصيه وهو بعينه غير متوار عنه ، ويستعين بنعمه على مساخطه ، ويستدعي كل وقت غضبه عليه ، ولعنته له ، وإبعاده من قربه ، وطرده عن بابه ، وإعراضه عنه ، وخذلانه له ، والتخلية بينه وبين نفسه وعدوه ، وسقوطه من عينه ، وحرمانه روح رضاه [ ص: 82 ] وحبه ، وقرة العين بقربه ، والفوز بجواره ، والنظر إلى وجهه في زمرة أوليائه ، إلى أضعاف أضعاف ذلك من كرامته أهل الطاعة ، وأضعاف أضعاف ذلك من عقوبة أهل المعصية .

فأي عقل لمن آثر لذة ساعة أو يوم أو دهر ، ثم تنقضي كأنها حلم لم يكن ، على هذا النعيم المقيم ، والفوز العظيم ؟ بل هو سعادة الدنيا والآخرة ، ولولا العقل الذي تقوم به عليه الحجة لكان بمنزلة المجانين ، بل قد يكون المجانين أحسن حالا منه وأسلم عاقبة ، فهذا من هذا الوجه .

وأما تأثيرها في نقصان العقل المعيش ، فلولا الاشتراك في هذا النقصان ، لظهر لمطيعنا نقصان عقل عاصينا ، ولكن الجائحة عامة ، والجنون فنون .

ويا عجبا لو صحت العقول لعلمت أن طريق تحصيل اللذة والفرحة والسرور وطيب العيش ، إنما هو في رضاء من النعيم كله في رضاه ، والألم والعذاب كله في سخطه وغضبه ، ففي رضاه قرة العيون ، وسرور النفوس ، وحياة القلوب ، ولذة الأرواح ، وطيب الحياة ، ولذة العيش ، وأطيب النعيم ، ومما لو وزن منه مثقال ذرة بنعيم الدنيا لم يف به ، بل إذا حصل للقلب من ذلك أيسر نصيب لم يرض بالدنيا وما فيها عوضا منه ، ومع هذا فهو يتنعم بنصيبه من الدنيا أعظم من تنعم المترفين فيها ، ولا يشوب تنعمه بذلك الحظ اليسير ما يشوب تنعم المترفين من الهموم والغموم والأحزان المعارضات ، بل قد حصل له على النعيمين وهو ينتظر نعيمين آخرين أعظم منهما ، وما يحصل له في خلال ذلك من الآلام ، فالأمر كما قال تعالى : إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون [ سورة النساء : 104 ] .

فلا إله إلا الله ما أنقص عقل من باع الدر بالبعر ، والمسك بالرجيع ، ومرافقة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، بمرافقة الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا .
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2015 ~ 02:47 AM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 107
 
الصورة الرمزية رقة فتاة
 
مدير عام منتديات حزن العشاق http://gulf-up.com/do.php?img=228429
تاريخ التسجيل : Feb 2013
معدل تقييم المستوى : 10
رقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond repute


المعاصي تنسي الله

ومن عقوباتها : أنها تستدعي نسيان الله لعبده ، وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه ، وهنالك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة ، قال الله : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون [ سورة الحشر : 18 - 19 ] .

فأمر بتقواه ونهى أن يتشبه عباده المؤمنون بمن نسيه بترك تقواه ، وأخبر أنه عاقب من ترك التقوى بأن أنساه نفسه ، أي أنساه مصالحها ، وما ينجيها من عذابه ، وما يوجب له الحياة الأبدية ، وكمال لذتها وسرورها ونعيمها ، فأنساه الله ذلك كله جزاء لما نسيه من عظمته وخوفه ، والقيام بأمره ، فترى العاصي مهملا لمصالح نفسه مضيعا لها ، قد أغفل الله قلبه عن ذكره ، واتبع هواه وكان أمره فرطا ، قد انفرطت عليه مصالح دنياه وآخرته ، وقد فرط في سعادته الأبدية ، واستبدل بها أدنى ما يكون من لذة ، إنما هي سحابة صيف ، أو خيال طيف كما قيل :


أحلام نوم أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع


وأعظم العقوبات نسيان العبد لنفسه ، وإهماله لها ، وإضاعته حظها ونصيبها من الله ، وبيعها ذلك بالغبن والهوان وأبخس الثمن ، فضيع من لا غنى له عنه ، ولا عوض له منه ، واستبدل به من عنه كل الغنى أو منه كل العوض :


من كل شيء إذا ضيعته عوض وما من الله إن ضيعت من عوض


[ ص: 71 ] فالله سبحانه يعوض عن كل شيء ما سواه ولا يعوض منه شيء ، ويغني عن كل شيء ولا يغني عنه شيء ، ويجير من كل شيء ولا يجير منه شيء ، ويمنع من كل شيء ولا يمنع منه شيء ، كيف يستغني العبد عن طاعة من هذا شأنه طرفة عين ؟ وكيف ينسى ذكره ويضيع أمره حتى ينسيه نفسه ، فيخسرها ويظلمها أعظم الظلم ؟ فما ظلم العبد ربه ولكن ظلم نفسه ، وما ظلمه ربه ولكن هو الذي ظلم نفسه .
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2015 ~ 02:47 AM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 108
 
الصورة الرمزية رقة فتاة
 
مدير عام منتديات حزن العشاق http://gulf-up.com/do.php?img=228429
تاريخ التسجيل : Feb 2013
معدل تقييم المستوى : 10
رقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond repute


المعاصي تمحق البركة

ومن عقوباتها : أنها تمحق بركة العمر ، وبركة الرزق ، وبركة العلم ، وبركة العمل ، وبركة الطاعة .

وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا ، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله ، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق ، قال الله تعالى : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [ الأعراف : 96 ] .

وقال تعالى : وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه [ الجن : 16 - 17 ] .

وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه .

وفي الحديث : إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته ، وإن الله جعل الروح والفرح في الرضى واليقين ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط .

وقد تقدم الأثر الذي ذكره أحمد في كتاب الزهد : أنا الله ، إذا رضيت باركت ، وليس لبركتي منتهى ، وإذا غضبت لعنت ، ولعنتي تدرك السابع من الولد .

وليست سعة الرزق والعمل بكثرته ، ولا طول العمر بكثرة الشهور والأعوام ، ولكن سعة الرزق وطول العمر بالبركة فيه .

وقد تقدم أن عمر العبد هو مدة حياته ، ولا حياة لمن أعرض عن الله واشتغل بغيره ، بل حياة البهائم خير من حياته ، فإن حياة الإنسان بحياة قلبه وروحه ، ولا حياة لقلبه إلا بمعرفة فاطره ، ومحبته ، وعبادته وحده ، والإنابة إليه ، والطمأنينة بذكره ، والأنس بقربه ، ومن فقد هذه الحياة فقد الخير كله ، ولو تعرض عنها بما تعوض مما في الدنيا ، بل ليست الدنيا بأجمعها عوضا عن هذه الحياة ، فمن كل شيء يفوت العبد عوض ، وإذا فاته الله لم يعوض عنه شيء البتة .

وكيف يعوض الفقير بالذات عن الغني بالذات ، والعاجز بالذات عن القادر بالذات ، والميت عن الحي الذي لا يموت ، والمخلوق عن الخالق ، ومن لا وجود له ولا شيء له من [ ص: 85 ] ذاته البتة عمن غناه وحياته وكماله ووجوده ورحمته من لوازم ذاته ؟ وكيف يعوض من لا يملك مثقال ذرة عمن له ملك السماوات والأرض .

وإنما كانت معصية الله سببا لمحق بركة الرزق والأجل ، لأن الشيطان موكل بها وبأصحابها ، فسلطانه عليهم ، وحوالته على هذا الديوان وأهله وأصحابه ، وكل شيء يتصل به الشيطان ويقارنه ، فبركته ممحوقة ، ولهذا شرع ذكر اسم الله تعالى عند الأكل والشرب واللبس والركوب والجماع لما في مقارنة اسم الله من البركة ، وذكر اسمه يطرد الشيطان فتحصل البركة ولا معارض له ، وكل شيء لا يكون لله فبركته منزوعة ، فإن الرب هو الذي يبارك وحده ، والبركة كلها منه ، وكل ما نسب إليه مبارك ، فكلامه مبارك ، ورسوله مبارك ، وعبده المؤمن النافع لخلقه مبارك ، وبيته الحرام مبارك ، وكنانته من أرضه ، وهي الشام أرض البركة ، وصفها بالبركة في ست آيات من كتابه ، فلا مبارك إلا هو وحده ، ولا مبارك إلا ما نسب إليه ، أعني إلى ألوهيته ومحبته ورضاه ، وإلا فالكون كله منسوب إلى ربوبيته وخلقه ، وكل ما باعده من نفسه من الأعيان والأقوال والأعمال فلا بركة فيه ، ولا خير فيه ، وكل ما كان منه قريبا من ذلك ففيه من البركة على حسب قربه منه .

وضد البركة اللعنة ؛ فأرض لعنها الله أو شخص لعنه الله أو عمل لعنه الله أبعد شيء من الخير والبركة ، وكلما اتصل بذلك وارتبط به وكان منه بسبيل فلا بركة فيه البتة .

وقد لعن عدوه إبليس وجعله أبعد خلقه منه ، فكل ما كان جهته فله من لعنة الله بقدر قربه واتصاله به ، فمن هاهنا كان للمعاصي أعظم تأثير في محق بركة العمر والرزق والعلم والعمل ، وكل وقت عصيت الله فيه ، أو مال عصي الله به ، أو بدن أو جاه أو علم أو عمل فهو على صاحبه ليس له ، فليس له من عمره وماله وقوته وجاهه وعلمه وعمله إلا ما أطاع الله به .

ولهذا من الناس من يعيش في هذه الدار مائة سنة أو نحوها ، ويكون عمره لا يبلغ عشرين سنة أو نحوها ، كما أن منهم من يملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ويكون ماله في الحقيقة لا يبلغ ألف درهم أو نحوها ، وهكذا الجاه والعلم .

وفي الترمذي عنه - صلى الله عليه وسلم - الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها ، إلا ذكر الله وما والاه ، أو عالم أو متعلم .

وفي أثر آخر : الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله فهذا هو الذي فيه البركة خاصة ، والله المستعان .
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2015 ~ 02:48 AM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 109
 
الصورة الرمزية رقة فتاة
 
مدير عام منتديات حزن العشاق http://gulf-up.com/do.php?img=228429
تاريخ التسجيل : Feb 2013
معدل تقييم المستوى : 10
رقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond repute


المعاصي تجرئ على الإنسان أعداءه

[ ص: 89 ] ومن عقوباتها : أنها تجرئ على العبد ما لم يكن يجترئ عليه من أصناف المخلوقات ، فتجترئ عليه الشياطين بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين ، وإنسائه ما به مصلحته في ذكره ، ومضرته في نسيانه ، فتجترئ عليه الشياطين حتى تؤزه في معصية الله أزا .

وتجترئ عليه شياطين الإنس بما تقدر عليه من الأذى في غيبته وحضوره ، ويجترئ عليه أهله وخدمه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم .

قال بعض السلف : إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي .

وكذلك يجترئ عليه أولياء الأمر بالعقوبة التي إن عدلوا فيها أقاموا عليه حدود الله ، وتجترئ عليه نفسه فتتأسد عليه وتصعب عليه ، فلو أرادها لخير لم تطاوعه ولم تنقد له ، وتسوقه إلى ما فيه هلاكه ، شاء أم أبي .

وذلك لأن الطاعة حصن الرب تبارك وتعالى الذي من دخله كان من الآمنين ، فإذا فارق الحصن اجترأ عليه قطاع الطريق وغيرهم ، وعلى حسب اجترائه على معاصي الله يكون اجتراء هذه الآفات والنفوس عليه ، وليس له شيء يرد عنه . فإن ذكر الله وطاعته والصدقة وإرشاد الجاهل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وقاية ترد عن العبد ، بمنزلة القوة التي ترد المرض وتقاومه ، فإذا سقطت القوة غلب وارد المرض فكان الهلاك ، فلابد للعبد من شيء يرد عنه ، فإن موجب السيئات والحسنات تتدافع ويكون الحكم للغالب كما تقدم ، وكلما قوي جانب الحسنات كان الرد أقوى كما تقدم ، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا ، والإيمان قول وعمل ، فبحسب قوة الإيمان يكون الدفع ، والله المستعان .
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2015 ~ 02:49 AM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 110
 
الصورة الرمزية رقة فتاة
 
مدير عام منتديات حزن العشاق http://gulf-up.com/do.php?img=228429
تاريخ التسجيل : Feb 2013
معدل تقييم المستوى : 10
رقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond reputeرقة فتاة has a reputation beyond repute


المعاصي تعمي القلب

ومن عقوباتها أنها تعمي القلب ، فإن لم تعمه أضعفت بصيرته ولابد ، وقد تقدم بيان أنها تضعفه ولابد ، فإذا عمي القلب وضعف ، فاته من معرفة الهدى وقوته على تنفيذه في نفسه وفي غيره ، بحسب ضعف بصيرته وقوته .

فإن الكمال الإنساني مداره على أصلين : معرفة الحق من الباطل ، وإيثاره عليه .

وما تفاوتت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين [ ص: 93 ] الأمرين ، وهما اللذان أثنى الله بهما سبحانه على أنبيائه بهما في قوله تعالى : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار [ سورة ص : 45 ] .

فالأيدي : القوة في تنفيذ الحق ، والأبصار : البصائر في الدين ، فوصفهم بكمال إدراك الحق وكمال تنفيذه ، وانقسم الناس في هذا المقام أربعة أقسام ، فهؤلاء أشرف الأقسام من الخلق وأكرمهم على الله تعالى .

القسم الثاني : عكس هؤلاء ، من لا بصيرة له في الدين ، ولا قوة على تنفيذ الحق ، وهم أكثر هذا الخلق ، وهم الذين رؤيتهم قذى العيون وحمى الأرواح وسقم القلوب ، يضيقون الديار ويغلون الأسعار ، ولا يستفاد من صحبتهم إلا العار والشنار .

القسم الثالث : من له بصيرة بالحق ومعرفة به ، لكنه ضعيف لا قوة له على تنفيذه ولا الدعوة إليه ، وهذا حال المؤمن الضعيف ، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله منه .

القسم الرابع : من له قوة وهمة وعزيمة ، لكنه ضعيف البصيرة في الدين ، لا يكاد يميز بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، بل يحسب كل سوداء تمرة وكل بيضاء شحمة ، يحسب الورم شحما والدواء النافع سما .

وليس في هؤلاء من يصلح للإمامة في الدين ، ولا هو موضع لها سوى القسم الأول ، قال الله تعالى : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون [ سورة السجدة : 24 ] .

فأخبر سبحانه أن بالصبر واليقين نالوا الإمامة في الدين ، وهؤلاء هم الذين استثناهم الله سبحانه من جملة الخاسرين ، وأقسم بالعصر - الذي هو زمن سعي الخاسرين والرابحين - على أن من عداهم فهو من الخاسرين ، فقال تعالى والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [ العصر : 1 - 3 ] .

ولم يكتف منهم بمعرفة الحق والصبر عليه ، حتى يوصي بعضهم بعضا به ويرشده إليه ويحضه عليه .

وإذا كان من عدا هؤلاء فهو خاسر ، فمعلوم أن المعاصي والذنوب تعمي بصيرة القلب فلا يدرك الحق كما ينبغي ، وتضعف قوته وعزيمته فلا يصبر عليه ، بل قد يتوارد على القلب حتى [ ص: 94 ] ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره ، فيدرك الباطل حقا والحق باطلا ، والمعروف منكرا والمنكر معروفا ، فينتكس في سيره ويرجع عن سفره إلى الله والدار الآخرة ، إلى سفره إلى مستقر النفوس المبطلة التي رضيت بالحياة الدنيا ، واطمأنت بها ، وغفلت عن الله وآياته ، وتركت الاستعداد للقائه ، ولو لم يكن في عقوبة الذنوب إلا هذه وحدها لكانت داعية إلى تركها والبعد منها ، والله المستعان .

وهذا كما أن الطاعة تنور القلب وتجلوه وتصقله ، وتقويه وتثبته حتى يصير كالمرآة المجلوة في جلائها وصفائها فيمتلئ نورا ، فإذا دنا الشيطان منه أصابه من نوره ما يصيب مسترق السمع من الشهب الثواقب ، فالشيطان يفرق من هذا القلب أشد من فرق الذئب من الأسد ، حتى إن صاحبه ليصرع الشيطان فيخر صريعا ، فيجتمع عليه الشياطين ، فيقول بعضهم لبعض : ما شأنه ؟ فيقال : أصابه إنسي ، وبه نظرة من الإنس :


فيا نظرة من قلب حر منور يكاد لها الشيطان بالنور يحرق


أفيستوي هذا القلب وقلب مظلم أرجاؤه ، مختلفة أهواؤه ، قد اتخذه الشيطان وطنه وأعده مسكنه ، إذا تصبح بطلعته حياه ، وقال : فديت من لا يفلح في دنياه ولا في أخراه ؟


قرينك في الدنيا وفي الحشر بعدها فأنت قرين لي بكل مكان
فإن كنت في دار الشقاء فإنني وأنت جميعا في شقا وهوان


قال الله تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون [ سورة الزخرف : 36 - 39 ] .

فأخبر سبحانه أن من عشي عن ذكره ، وهو كتابه الذي أنزل على رسوله ، فأعرض عنه ، وعمي عنه ، وعشت بصيرته عن فهمه وتدبره ومعرفة مراد الله منه - قيض الله له شيطانا عقوبة له بإعراضه عن كتابه ، فهو قرينه الذي لا يفارقه في الإقامة ولا في المسير ، ومولاه وعشيره الذي هو بئس المولى وبئس العشير .


رضيعا لبان ثدي أم تقاسما بأسحم داج عوض لا نتفرق
ثم أخبر سبحانه أن الشيطان يصد قرينه ووليه عن سبيله الموصل إليه وإلى جنته ، ويحسب هذا الضال المصدود أنه على طريق هدى ، حتى إذا جاء القرينان يوم القيامة يقول أحدهما للآخر : ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين كنت لي في الدنيا ، أضللتني [ ص: 95 ] عن الهدى بعد إذ جاءني ، وصددتني عن الحق وأغويتني حتى هلكت ، وبئس القرين أنت لي اليوم .

ولما كان المصاب إذا شاركه غيره في مصيبة ، حصل له بالتأسي نوع تخفيف وتسلية ، أخبر الله سبحانه أن هذا غير موجود وغير حاصل في حق المشتركين في العذاب ، وأن القرين لا يجد راحة ولا أدنى فرح بعذاب قرينه معه ، وإن كانت المصائب في الدنيا إذا عمت صارت مسلاة ، كما قالت الخنساء في أخيها صخر :


ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي


فمنع الله سبحانه هذا القدر من الراحة على أهل النار فقال : ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون [ سورة الزخرف : 39 ]
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:56 AM