المفاتن الدنيوية وأثرها على النفس في القرآن الكريم
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد:
تعريف الفتنة في اللغة والاصطلاح:
الفتنة في اللغة: مصدركالفتن والفتون، وكل ذلك مأخوذ من مادة ((فتن)) التي تدل على الابتلاء والاختبار، يقُال: فتنت الذهب
بالنار إذا امتحنته[ 1].
أما الفتنة في الاصطلاح: فقد عرفها الجرجاني بقوله: ((الفتنة: هي ما يبُيَّن به حال الإنسان في الخير والشر))[ 2] ، وقال المناوي:
((الفتنة : البلية وهي معاملة تظُهر الأمور الباطنة))[ 3].
وقدخلقاللهتعالىالدنياوخلقفيهاالإنسان،وجعلفيهامنالف تنوالمغرياتالكثيرةليمتحنالإنسانويبتليه،فإماأنيسلكط ريق
الشهوات والفتن ويتبع خطوات الشيطان خطوة تلو خطوة وهو مسلوب الهمة، فليسلههم إٌلا اتباع رغباته، وإما أن يتحدى نفسه،
ويغلبنفسه الأمارة بالسوء، والله-سبحانه وتعالى- قد بين فيكتابه العزيز أن الدنيا بما فيها ما هي إلا فتنة، قال تعالى:﴿ واَعلْمَوُا
أنََّماَأمَوْاَلكُمُوْأَوَلَْادكُمُفْتِنْةَوٌأَنَّ َ اللَّهعَنِدْهَأُجَرْعٌظَيِم ﴾ٌ [الأنفال: 28 ] ، فاللهتعالى في هذه الآية يقول للمؤمنين: اعلموا أن أموالكم
وأولادكمالتيخولكموهااللهتعالىماهيإلااختباروبلاء،أع طاكموها،ليمتحنكمويبتليكملينظركيفأنتمعاملونفيأداءحق
اللهعليكم فيها، والانتهاء إلى أمر اللهونهيه فيها، والفتنة هنا هي الاختبار والامتحان[ 4] ، والسببفي ذلككما ذكر أبو السعود في
تفسيرهأنهاسببفيالوقوعفيالإثموالعقاب،أومحنةمنمحنالل هتعالى،ويكونالأجرالعظيملمنآثررضااللهتعالىعليهاوراع ى
حدوده فيهما فنيطوا[ 5]همتكم مما يؤدكم إليه [ 6].
وقد بين الله تعالى لعبادة المفاتن الدنيوية وحذر من الاشتغال بها في خطابات قرآنية كثيرة، وقد أجملها الله تعالى في قوله
تعالى:﴿ قلُ إْنِ كْاَن آَباَؤكُمُوْأَبَنْاَؤكُمُوْإَخِوْاَنكُمُوْأَزَوْاَ جكُمُوْعَشَيِرتَكُمُوْأَمَوْاَلاٌقتْرَفَتْمُوُهاَو تَجِاَرةَ تٌخَشْوَنْكَسَاَدهَاَومَسَاَكنُِ
ترَضْوَنْهَاَ أحَبََّ إلِيَكْمُ منِ اللَّه ورَسَوُلهِ وجَهِاَد فيِ سبَيِلهِ فتَرَبََّصوُا حتََّى يأَتْيِ اللَّه بأِمَرْهِ واَللَّه لَا يهَدْيِ القْوَمْ الفْاَسقِيِن ﴾ [التوبة: 24 ] .
فبيناللهتعالىفيهذهالآيةالكريمةأنهذهالمصالحالدنيوية فيحبالمالوالأولادوغيرهامنالمفاتن،إنكانتأولىمنطاعة
الله ورسوله، وطغى هذا الحب على حب الله ورسوله فتربصوا مما يحبونه حتى يأمر الله بعقوبة عاجلة وآجلة لهم[ 7].
وكل هذه المفاتن تجرد العبد من همته إن اتبعها، وإن سار خلفها، فالدنيا ما هي إلا لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال
والأولاد، قال تعالى: ﴿اعلْمَوُاأنََّماَالحْيَاَة اُلدُّنيْاَلعَبِوٌلَهَوْوٌزَيِنةَوٌتَفَاَخرُبٌيَنْ كَمُوْتَكَاَثرُ فٌيِالْأمَوْاَلوِاَلْأوَلَْادكِمَثَلَغِيَثْأٍعَجْب َاَلكْفَُّارَ
نبَاَتهُ ثُمَُّيهَيِجفُتَرَاَهمُصُفْرَاًّ ثمَُّيكَوُنحُطُاَماً وفَيِالْآخرِةَعِذَاَبشٌدَيِدوٌمَغَفْرِةَ مٌنِ اَللَّهوِرَضِوْاَن وٌمَاَالحْيَاَة اُلدُّنيْاَ إلَِّامتَاَعاُلغْرُوُر ﴾ِ
[الحديد: 20 ] ، فهذه هي الحياة الدنيا، وهذه هي مفرداتها وجميعها تصرف الإنسان عن المبادرة إلى الخيرات والاتصاف بعلو الهمة.
واللعب: هو اسم لقول أو فعل لا يقصد به فاعله تحصيل النفع أو دفعضرر،وغالبا مًا يطلق على أفعال الصغار والصبيان في مرحلة
الطفولة، وغير ذلك.
أما اللهو: فهو الفعل الذي يقصد به جلب المتعة ودفع المفسدة، ويتضمن ذلك كل ما يحقق المتعة للإنسان من لعب وطرب
وغيره[ 8].
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: ((اعلموا أن الحياة الدنيا لعب باطل، ولهو فرح، ثم ينقضي، فبين أن الحياة الدنيا منقضية فلا
ينبغي أن يترك أمر الله محافظة على مالا ينبغي))[ 9].