تكمله للمستذئبين....
صفات المستذئب
كان الناس يعتقدون بأن للمستذئب صفات معينة يمكنهم عن طريقها التعرف عليه , منها ان تكون حواجبه معقودة فوق الأنف و تكون أظافره حادة و مخلبية الشكل و ان تكون مشيته غريبة تتميز بخطوات متباعدة و متسرعة , و من العلامات الأخرى هي الشعر الأحمر و وجود شعر في باطن الكف و كذلك ظهور علامات الاهتياج الشديد عند رؤيته لشرائح اللحم النيئ , و من الطرق المشهورة في كشف المستذئب أو المتهم بذلك , هي أن يقوموا بعمل جرح عميق في جسم المتهم و ينظروا الى ما تحت الجلد فإذا ظهر فرو أو شعر اسود تيقنوا بأن المتهم هو مستذئب حقيقي , و كانوا يشكون على وجه الخصوص بالأشخاص المولودون في الـ 25 من ديسمبر و كذلك بأولئك الذين يكون ترتيبهم السابع من بين الأطفال في العائلة.
أما العلامات المميزة لمعرفة الرجل الذئب عندما يكون متقمصا لشكله الحيواني فهي عدم وجود الذيل و إصدار أصوات هي اقرب الى صوت البشر كما إن عيونه تكون أشبه بعيون البشر منها الى عيون الذئاب و عند عودته الى شكله الإنساني مرة أخرى فأنه يشعر بتعب و إرهاق شديد.
و بالنسبة لغذاء المستذئب فهو يصطاد و يلتهم الحيوانات البرية و كذلك اللحم البشري و خاصة لحوم الأطفال الصغار و النساء و أحيانا لحوم الجثث المدفونة في المقابر.
و هناك اعتقاد بأن جثة المستذئب يجب ان تحرق و لا تدفن لأن الدفن سيحولها الى مصاص دماء.
كيف يصبح الشخص مستذئبا ؟
هناك عدة طرق للتحول الى مستذئب , ربما يكون أشهرها , هي التعرض للعض من قبل مستذئب أخر و التي شاعت عبر الروايات و الافلام الحديثة التي تناولت شخصية الرجل الذئب و هي في الحقيقة لم تكن ضمن الاسطورة القديمة عن المستذئب و انما اضيفت اليها في بدايات القرن المنصرم , و هناك طرق أخرى ذكرت في فلكلور الشعوب , من ابسطها هي ان يتعرى الشخص المراد تحويله و يقوم بربط حزام جلدي عريض من فرو الذئاب على جسمه , و من الطرق الأخرى هي شرب الماء المتجمع في الحفر الصغيرة لأثار أقدام الذئاب او شرب الماء من مصدر تستخدمه الذئاب عادة للشرب.
و ذكرت بعض المصادر القديمة بأن نوم الشخص في الهواء الطلق في ليلة من ليالي الصيف يكون القمر فيها بدرا مكتملا و تعريض وجهه لضوئه لمدة طويلة يمكن أن يحوله الى مستذئب.
و هناك وصفات سحرية ذكرت في بعض كتب السحر لتحويل الإنسان الى مستذئب تعتمد على الأعشاب و على القيام بأمور سحرية معينة , إلا ان الفكرة العامة هي ان الشخص المراد تحويله يجب ان تكون لديه القابلية للتحول الى مستذئب بالفطرة عن طريق مجموعة من المواصفات التي يجب ان تتوفر فيه , من أشهرها , ان يكون من الأشخاص المولودون في الـ 25 من ديسمبر او من الأطفال الذين يكون ترتيبهم السابع بين أخوتهم و أخواتهم , حيث انه وفقا للمعتقدات السائدة آنذاك تتحول الفتاة الى ساحرة و الصبي الى مستذئب , كما ان الأطفال المولودون مع ظهور قمر جديد او المصابون بالصرع هم الأقرب الى ان يكونوا مستذئبين عند البلوغ.
و من الناحية الدينية كان ينظر الى المستذئبين على انهم أشخاص تعرضوا الى اللعنة الإلهية نتيجة لآثام كبيرة اقترفوها في حياتهم و أنهم من صنائع الشيطان و وسائله لبث الرعب و الخوف في نفوس البشر.
حقيقة ام خيال ؟
هناك الكثير من الأمور في هذا العالم التي ينظر إليها على إنها مجرد أساطير و خرافات لا أساس لها من الصحة و لكن العلم الحديث بدء يفكر جديا في دراستها , ليس لإثبات صحتها بالطبع , و لكن لمعرفة المصدر الحقيقي لنشوء هذه الأسطورة او الخرافة و العوامل التي ساعدت على انتشارها و ترسيخ الاعتقاد بها.
الاستنتاج السائد بين الباحثين و العلماء اليوم هو ان الشخصيات الأسطورية المرعبة هي انعكاس لواقع مرعب عاشه الإنسان من دون ان يجد تفسيرا منطقيا له او يتمكن من التثبت من طريقة حدوثه , فمثلا في حالات جرائم القتل المتسلسلة و حوادث أكل لحوم البشر و انتهاك حرمة القبور و الموتى و الجثث المجهولة التي تم العبث بها و تقطيع أجزائها و التي ترمى أحيانا على قارعة الطريق , كل هذه الحوادث لم يكن الانسان يجد تفسيرا منطقيا لها في العصور الوسطى التي كان يسودها التخلف و الجهل و كان الإنسان فيها يرتاب بكل شيء حوله بسبب الحياة القاسية التي كان يعيشها و المليئة بالحروب و مناظر الموت و الدم و النهب و السلب , فعلى سبيل المثال كان الإنسان في تلك الأزمان ينظر الى الأمراض على انها شكل من أشكال المس الشيطاني و يفسر النكبات التي تحل به كالأوبئة او المجاعات على انها عقاب الهي , و بالطبع هكذا عقلية عندما تتعامل مع مريض نفسي , على سبيل المثال , يتحول الى قاتل متسلسل و يقوم بعدة جرائم قتل متوحشة يمارس فيها ساديته و عقده , لا يمكنه إلا ان يفسر الأمر على ان هذا الشخص هو شخص غير طبيعي و يمتلك قوى سحرية شريرة خارقة , فاختفاء عدة أشخاص من قرية واحدة و اكتشاف جثثهم بعد مدة و قد تم التمثيل بها سيتم ربطه مباشرة مع مصاصي الدماء و المستذئبين و الغول و الجن و الأشباح .. الخ , و لا ننسى اننا نتكلم عن عصور لم يكن يتواجد فيها محققين شرطة و مختبرات للأدلة الجنائية و أجهزة أمنية متطورة و مدربة , بل انه في أحسن الأحوال لم يكن هناك سوى شخص واحد لتمثيل الدولة و هو في الغالب الأعم إنسان امي و جاهل لا يقل إيمانا بالخرافات عن الآخرين و لا هم له سوى جمع الضرائب و المكوس للإقطاعي او الملك.
و في ذلك العالم الموحش و المظلم ظهرت معظم الأساطير المرعبة التي نتداولها اليوم و ارتبط اغلبها مع الليل , ففي ذلك الزمان لم يكن هناك مصابيح إضاءة كالمتوفرة اليوم و لا أجهزة ترفيه كالحاسوب و التلفزيون , فكان الليل طويلا و مظلما , و لهذا نلاحظ ارتباط اغلب الشخصيات المرعبة بالليل و الظلام و بمخلوقات ليلية كالخفافيش و الذئاب.
من التفسيرات العلمية لأسطورة المستذئبين هي وجهة نظر طبية , حيث ان بعض الأطباء و المختصين في تاريخ الأمراض يعودون بشخصية المستذئب الى عوامل مرضية , فبعض الأمراض النادرة مثل مرض البروفيريا (Porphyria ) تصاحب بعض أنواعه أعراض مثل الالتهابات الجلدية و ازدياد الشعر في مناطق معينة من الجسم و احمرار الأسنان و التحسس الشديد للتعرض الى أشعة الشمس و قد يؤدي بالمريض الى اختلالات نفسية حادة , لهذا يعتقد بعض الباحثين بأن الكتابات التاريخية عن المستذئبين هي في الحقيقة وصف لمرضى مصابين بهذا المرض النادر , الا ان هذه النظرية تعرضت الى انتقادات حادة منها ان الأوصاف التي ذكرها المؤرخون تصف تحول الإنسان الى ذئب متكامل الشكل و القوام و ليس مجرد أعراض لمرض جلدي معروف و مشخص منذ القدم , كما ان البعض يبالغ جدا في وصف أعراض هذا المرض كما فراءت ذلك شخصيا في عدة مواقع عربية و بدون أي احترام لمشاعر المصابين بالمرض , و منها ان المريض يتحول الى مجنون كليا و يتقمص شخصية الذئب و يأكل اللحم النيئ و يبدأ بالعويل عند اكتمال القمر!! .
هناك مجموعة اخرى من الباحثين يعتقدون بأن مصدر أسطورة المستذئب هو مرض (Hypertrichosis ) و هو نمو كثيف و غير طبيعي للشعر على جسم الإنسان و قد يصيب كلا الجنسين و ينتج عنه اكتساء أجزاء من الوجه و الجسم بطبقة كثيفة من الشعر بحيث يصبح اقرب الى فرو الحيوانات , و لكن الندرة الشديدة لهذا المرض جعلت الباحثون يشككون في ان يكون مصدر أسطورة المستذئب و التي ذكرت بأعداد كبيرة في العصور الوسطى.
و هناك ايضا أمراض أخرى حاول العلماء ربطها مع خرافة الرجل الذئب لكنها تبقى مجرد نظريات ليس بالإمكان إثباتها بشكل كامل.
و رغم جميع النظريات و الأبحاث يبقى هناك الكثير من الناس يتسألون , هل هناك حقا مستذئبين ؟ هل هناك مصاصو دماء ؟ هل هناك غول و سعلاة و تنين ؟ المعتقدون بالسحر و الغيبيات يؤكدون وجود هذه المخلوقات اما العلماء و الباحثون و المثقفون عموما فيضحكون و يسخرون عند سماع هذه الأسماء. الا ان هذه الدنيا تفاجئنا دوما بأحداث و قصص قد لا نتخيلها و أمور قد لا يستطيع العلم تفسيرها , و يبقى الإنسان نفسه هو لغز الألغاز فالمستذئبون و مصاصو الدماء قد يكونوا مخيفين و يقومون بأعمال وحشية تجعل فرائص الشجعان ترتعد خوفا و هلعا الا أنهم مهما بلغوا من الإسراف في القتل و سفك الدماء فأنهم لن يصلوا الى مدى الوحشية التي يتمتع بها البعض من بنو البشر , فعلى مر العصور جرت معارك و مجازر تم أبادت الآلاف خلالها في أيام و ساعات قلائل و بقسوة منقطعة النظير و هذا ما لا يستطيع أي مستذئب او مصاص دماء القيام به.