عرض مشاركة واحدة
قديم 12-27-2014 ~ 10:23 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 4
 
مجموعة إدارية
تاريخ التسجيل : Nov 2012
معدل تقييم المستوى : 10
وردة الكاردينيا is a jewel in the roughوردة الكاردينيا is a jewel in the roughوردة الكاردينيا is a jewel in the roughوردة الكاردينيا is a jewel in the rough


هكذا تكون التوبة :
وحينما التقى عمر بالنبي عليه الصلاة والسلام، قال للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله ألسنا على الحقّ في مماتنا ومحيانا؟ قال: بلى يا عُمر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى الحق إن مِتُم وإن حييتُم, فقال عمر: ففيم الاختفاء إذاً؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن ولنخرجن معك ، بعد أن كُشف له الغِطاء, ورأى الحقيقة الناصعة, ودخل النور إلى قلبه, قال هذا الصحابي الجليل: والله لن أترك مكاناً جلست فيه بالكُفر إلا جلست فيه بالإيمان " .
لذلك يصحب التوبة ثلاثة أشياء: العلم، والحال، والعمل، فالعلم يورث حالاً، والحال يورث الندم، لكن عن العمل, قالوا: هو ثلاثة أنواع, إصلاح في الماضي، وإقلاع في الحاضر، وعزيمة في المستقبل .

ما السر في هذا الانقلاب الغريب ؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ, قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قال: " أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ . قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ . قَالَ : فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ . قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ . قَالَ : فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ قَالُوا : نَعَمْ. قَالَ : فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقُهُوا " .
(أخرجه البخاري عن أبي هريرة في الصحيح )
ما الذي حصل حتى انقلب اندفاعه اندفاعاً آخر؟ قد يقول أحدكم: أيعقل هذا؟ أيكون الإيمان بين عشية وضحاها؟ أيدخل الإيمان إلى قلب الإنسان في طرفة عين؟ فالسحرة ألم يستعن بهم فرعون ليدحضوا الحق الذي جاء به موسى؟ وكيف انقلبوا فجأة من أُناسٍ يعملون لصالح الكُفر إلى أُناسٍ قد آمنوا في أعلى درجات الإيمان؟ لأن فرعون حينما علم أنهم قد آمنوا مع موسى هددهم بالقتل والصلب والتعذيب، فما زادوا عن أن قالوا له:
﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾
( سورة طه الآية: 72-73)
هل العبرة في الوصول إلى إشراقة الإيمان الزمن ؟
هنا تعليق أقوله, وأرجو أن يُفهم كما أريد, أحياناً الإنسان يسلك سبيلاً طويلاً جداً حتى يصل إلى الإيمان، سنوات تلو سنوات يفكِّر في آيات الله, ويجاهد نفسه وهواه إلى أن يصل إلى إشراقة الإيمان، وأحياناً تنقدح إشراقة الإيمان في قلب مؤمن في وقت قصير جداً، فما العلاقة بين هذا الأمد الطويل وبين هذا الأمد القصير؟
أيها الأخوة, الجواب دقيق جداً، في الإنسان عنصر اسمه عنصر الصدق، ولا أعني بالصدق أن تقول كلاماً يطابق الواقع, فهذا مفهوم آخر للصدق لا أعنيه إطلاقاً، الصدق الذي أريده أن تكون صادقاً مع نفسك في طلب الحقيقة، أن تكون الحقيقة غاليةً عليك جداً بحيث لا تنام الليل إلى أن تصل إليها، ويستعمل بعض العلماء كلمة الصدق, للتعبير عن مدى جدية الإنسان في طلب الحقيقة، وعن مدى إصراره في طلب الحقيقة، وعن مدى اندفاعه إليها، فإذا زاد الصدق أحرق المراحل، نحن في النظام العام لا يمكن أن نعطي طالب الإجازة إلا بعد أربع سنوات في الدراسة، في بعض البلاد الراقية بالمقياس المادي تعرف أن هناك أُناسًا متفوقين، لذلك تسمح لأحدهم أن يجتاز هذه الأعوام الأربعة بثلاثة أعوام، لكن نحن ليس لدينا في النظام التعليمي إنسان في وقت قصير جداً ينال أعلى شهادة، فهذا مستحيل، لكن الله سبحانه وتعالى كما يقول بعض العلماء: " طليق الإرادة والفعل، فإذا عَلِم من إنسان صدقاً عالياً جداً, أعطاه في وقت يسير ما لا يعطي الأقل صدقاً في وقت طويل " لذلك قال بعض العلماء: " المراتب العُليا لا لمن سبق, ولكن لمن صدق " .
فقد تجد أحياناً شخصًا دخل إلى حلقة دينية, يقول لك: مضى علي ثلاثون سنة، وحالي مكانك، وإنسان آخر لم يمض على مجيئه إلى حلقةٍ من حلقات العلم أو حلقةٍ من حلقات التربية أكثر من أشهر، فإذا هو يتألَّق تألّقاً يفوق هذا الذي مضى عليه عشر سنين أو عشرين سنة، فالعبرة لمن صدق لا لمن سبق, أي أن لله رجالاً إذا أرادوا أراد، كلما ازداد صدقك رأيت ما لا يصدَّق, رأيـت من توفيـق الله, ومِن إكرام الله، ومِن تأييد الله، ومِن نصر الله، ومِن هذه القوة التي تجذب المؤمنين، وقد ورد في بعض الأحاديث: " ما أقبل عبدٌ على ربه إلا جعل قلوب المؤمنين تنساق إليه بالمودة والرحمة " .
من أمراض العصر :
في حياتنا المعاصرة مرض خطير, ولكن اسمه لطيف "المجاملة"، المجاملة تعني مجتمع لا يتناصح أفراده أبداً، مجتمع تسوده المصالح لا المبادئ، مجتمع كل واحدٌ منه ينتمي إلى ذاته وإلى مكاسبه فلا يعنيه من أمر الناس شيئاً، لذلك مما يقال عن الأذكياء غير الأتقياء أنهم يملكون قدرة على التلوّن عجيبة، إن جلسوا مع زيدٍ من الناس أشعروه أنهم أقرب الناس إليه، وإن جلسوا مع عبيد أشعروه أنهم أقرب الناس إليه، وإن جلسوا مع أصحاب مبادئ معيّنة تمثَّلوا هذه المبادئ وأثنوا عليها حتى تظنّ أنهم من أصحابها، هذه المجاملة أو هذا النفاق هو الذي يؤخِّر نشر الحق .


العاقل المغلوب بالهوى ترجى هدايته :
إذا وجدت شخصًا لا يصلّي، لا يعتقد بالدين, لكنه شهم، صاحب مروءة، صادق، قلبه رحيم، فتوقَّعْ له كلَّ خير، وانتظرْ منه أن يكون من كبار المؤمنين، لأن هذا الخُلُق لا يقود صاحبه إلا إلى الإيمان، لذلك لما رأى النبي عليه الصلاة والسلام رجلاً قد أسلم, وكان في الجاهلية ذا أخلاقٍ عالية, فقال عليه الصلاة والسلام:
" أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ " .
(أخرجه مسلم عن عروة بن الزبير في الصحيح )

أخواننا الكرام, الناس في محيط ما بين أقربائهم، وفي محيط أعمالهم، وفي محيط علاقاتهم, إذا رأيتَ الشخص الصادق الأميــن, صاحـب المروءة الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، إن رأيت في إسلامه تقصيراً, أو في إيمانه تقصيراً, فاطمعْ بهذا، ودلَّه على الله، لأنه إذا أسلم وآمن, فكلُّ هذا الخير أصبح في خدمة المسلمين .
العداوة تكون للمبدأ الذي يعتنقه الشخص وليس لذاته :
بالمناسبـة عندما جاء عُمير بن وهب إلى المدينة ليقتل النبي عليه الصلاة والسلام , ومعه سيفٌ مسموم, ورآه عمر, وعرف في وجهه الشر، وقاده إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: " يا رسول الله هذا عُمير جاء يريد شراً " والقصة تعرفونها, حينما أسلم عُمير, ماذا قال عمر؟ قال: " والله دخل عُمير إلى النبي, والخنزير أحبُّ إليَّ منه، وخرج من عنده وهو أحبُّ إليَّ من بعض أولادي ".
أقول لكم: إذا كان الشخص عدوًّا للدين فاجرًا منافقًا مستهزئًا، لو رأيته تاب إلى الله، واصطلح معه، إن لم ينقلب بغضك له محبّة فلست مؤمناً، علامة إيمانك أنك لا تعادي الأشخاص بذواتهم, ولكن تعادي اتجاهاتهم، فإذا رجع عنها فهو أخوك حقاً، فهذه علامة الإيمان .



هذا الصحابي له قصة طويلة, أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفِّقنا جميعاً إلى معرفتها واقتفاء معالمها, ومرة بعد مرة أرجو الله سبحانه وتعالى أن تنقلب هذه الحقائق إلى سلوك، لا أن تكون هذه الحقائق حقائق تاريخية نقرؤها لنملأ بها وقت الفراغ، عندئذ لا تقدم ولا تؤخّر .
أنا أعرضت قصداً عن كل فصل نتعب في فهمه, وقد نقع في سوء الظن، نحن نحبُّ من التاريخ ما كان حافزاً لنا، ونعرض عما كان عبئاً علينا، فنحن نأخذ هذه الصفحات فلعلها تدفعنا إلى الإيمان دفعاً حثيثاً .
والحمد لله رب العالمين
  رد مع اقتباس