عرض مشاركة واحدة
قديم 02-13-2021 ~ 06:43 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 7
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


ابن كثير

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة : 6]

اهدنا الصراط المستقيم

قراءة الجمهور بالصاد .
و قرئ : السراط و قرئ بالزاي.
قال الفراء : و هي لغة بني عذرة و بلقين و بني كلب .

لما تقدم الثناء على المسئول ، تبارك و تعالى ، ناسب أن يعقب بالسؤال ؛ كما قال : فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل و هذا أكمل أحوال السائل ، أن يمدح مسئوله ، ثم يسأل حاجته [ و حاجة إخوانه المؤمنين بقوله : ( اهدنا ] ، لأنه أنجح للحاجة و أنجع للإجابة ، و لهذا أرشد الله تعالى إليه لأنه الأكمل ، و قد يكون السؤال بالإخبار عن حال السائل و احتياجه ، كما قال موسى عليه السلام : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) [ القصص : 24 ]
و قد يتقدمه مع ذلك وصف المسئول ، كقول ذي النون :
( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [ الأنبياء : 87 ]
و قد يكون بمجرد الثناء على المسئول ، كقول الشاعر :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضه الثناء

و الهداية هاهنا : الإرشاد و التوفيق ، و قد تعدى الهداية بنفسها كما هنا اهدنا الصراط المستقيم فتضمن معنى ألهمنا ، أو وفقنا ، أو ارزقنا ، أو اعطنا.
( وهديناه النجدين ) [ البلد : 10 ]
أي : بينا له الخير و الشر ، و قد تعدى بإلى ، كقوله تعالى :
( اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ) [ النحل : 121 ]
( فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) [ الصافات : 23 ]
و ذلك بمعنى الإرشاد و الدلالة ، و كذلك قوله تعالى :
( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) [ الشورى : 52 ]
و قد تعدى باللام ، كقول أهل الجنة :
( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) [ الأعراف : 43 ]
أي وفقنا لهذا و جعلنا له أهلا .
و أما الصراط المستقيم ، فقال الإمام أبو جعفر بن جرير :
أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه .

و كذلك ذلك في لغة جميع العرب ، فمن ذلك قول جرير بن عطية الخطفي :

أمير المؤمنين على صراط
إذا اعوج الموارد مستقيم

قال : و الشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر.
قال : ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله في كل قول و عمل وصف باستقامة أو اعوجاج ، فتصف المستقيم باستقامته ، و المعوج باعوجاجه .

ثم اختلفت عبارات المفسرين من السلف و الخلف في تفسير الصراط ، و إن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد ، و هو المتابعة لله و للرسول ؛ فروي أنه كتاب الله ، قال ابن أبي حاتم :
حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني يحيى بن يمان ، عن حمزة الزيات ، عن سعد ، و هو أبو المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث الأعور ، عن الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب - - قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الصراط المستقيم كتاب الله .
و كذلك رواه ابن جرير ، من حديث حمزة بن حبيب الزيات ، و قد [ تقدم في فضائل القرآن فيما ] رواه أحمد و الترمذي من رواية الحارث الأعور ، عن علي مرفوعا :
و هو حبل الله المتين.
و هو الذكر الحكيم.
و هو الصراط المستقيم .

و قد روي هذا موقوفا عن علي ، و هو أشبه ، و الله أعلم .

و قال الثوري ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : الصراط المستقيم . كتاب الله ، و قيل : هو الإسلام .
و قال الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قال جبريل لمحمد ، عليهما السلام : قل : يا محمد ، اهدنا الصراط المستقيم . يقول : اهدنا الطريق الهادي ، و هو دين الله الذي لا عوج فيه .

و قال ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم قال : ذاك الإسلام .
و قال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير ، عن أبي مالك ، و عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، و عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، و عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : ( اهدنا الصراط المستقيم)
قالوا : هو الإسلام .
و قال عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر :
( اهدنا الصراط المستقيم)
قال : الإسلام ، قال : هو أوسع مما بين السماء و الأرض .
و قال ابن الحنفية في قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم)
قال هو دين الله ، الذي لا يقبل من العباد غيره .
و قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم اهدنا الصراط المستقيم) ، قال : هو الإسلام .

و في [ معنى ] هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، حيث قال : حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء ، حدثنا ليث يعني ابن سعد ، عن معاوية بن صالح : أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، حدثه عن أبيه ، عن النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، و على جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، و على الأبواب ستور مرخاة ، و على باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ، ادخلوا الصراط جميعا و لا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب ، قال : ويحك ، لا تفتحه ؛ فإنك إن تفتحه تلجه .
فالصراط الإسلام ، و السوران حدود الله ، و الأبواب المفتحة محارم الله ، و ذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، و الداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم .

و هكذا رواه ابن أبي حاتم ، و ابن جرير من حديث الليث بن سعد به . و رواه الترمذي و النسائي جميعا ، عن علي بن حجر عن بقية ، عن بجير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان ، به . و هو إسناد صحيح ، و الله أعلم .

و قال مجاهد : ( اهدنا الصراط المستقيم) ، قال : الحق .
و هذا أشمل ، و لا منافاة بينه و بين ما تقدم .

و روى ابن أبي حاتم و ابن جرير ، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم ؛ حدثنا حمزة بن المغيرة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية : ( اهدنا الصراط المستقيم)
قال : هو النبي صلى الله عليه و سلم ، و صاحباه من بعده ، قال عاصم : فذكرنا ذلك للحسن ، فقال : صدق أبو العالية و نصح .

و كل هذه الأقوال صحيحة ، و هي متلازمة ، فإن من اتبع النبي صلى الله عليه و سلم ، و اقتدى باللذين من بعده أبي بكر و عمر ، فقد اتبع الحق ، و من اتبع الحق فقد اتبع الإسلام ، و من اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن ، و هو كتاب الله و حبله المتين ، و صراطه المستقيم ، فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا ، و لله الحمد .

و قال الطبراني : حدثنا محمد بن الفضل السقطي ، حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و لهذا قال الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله :
و الذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي - أعني اهدنا الصراط المستقيم - أن يكون معنيا به : وفقنا للثبات على ما ارتضيته و وفقت له من أنعمت عليه من عبادك ، من قول و عمل ، و ذلك هو الصراط المستقيم ؛ لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين ، فقد وفق للإسلام ، و تصديق الرسل ، و التمسك بالكتاب ، و العمل بما أمره الله به ، و الانزجار عما زجره عنه ، و اتباع منهاج النبي صلى الله عليه و سلم ، و منهاج الخلفاء الأربعة ، و كل عبد صالح ، و كل ذلك من الصراط المستقيم .

فإن قيل : كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة و غيرها ، و هو متصف بذلك ؟
فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا ؟

فالجواب : أن لا ، و لولا احتياجه ليلا و نهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك ؛ فإن العبد مفتقر في كل ساعة و حالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ، و رسوخه فيها ، و تبصره ، و ازدياده منها ، و استمراره عليها ، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا إلا ما شاء الله ، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة و الثبات و التوفيق ، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله ؛ فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه ، و لا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل و أطراف النهار ، و قد قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) الآية [ النساء : 136 ] ، فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان ، و ليس في ذلك تحصيل الحاصل ؛ لأن المراد الثبات و الاستمرار و المداومة على الأعمال المعينة على ذلك ، و الله أعلم .

و قال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا :
( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
و قد كان الصديق يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرا . فمعنى قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم) استمر بنا عليه و لا تعدل بنا إلى غيره .


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس