عرض مشاركة واحدة
قديم 02-13-2021 ~ 06:41 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 4
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


ابن كثير

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة : 2]

القراء السبعة على ضم الدال من قوله : ( الحمد لله و هو مبتدأ و خبر ).
و روي عن سفيان بن عيينة و رؤبة بن العجاج أنهما قالا الحمد لله بالنصب و هو على إضمار فعل.
و قرأ ابن أبي عبلة : الحمد لله بضم الدال و اللام إتباعا للثاني الأول و له شواهد لكنه شاذ ، و عن الحسن و زيد بن علي : الحمد لله بكسر الدال إتباعا للأول الثاني .

قال أبو جعفر بن جرير : معنى الحمد لله الشكر لله خالصا دون سائر ما يعبد من دونه ، و دون كل ما برأ من خلقه ، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ، و لا يحيط بعددها غيره أحد ، في تصحيح الآلات لطاعته ، و تمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه ، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق ، و غذاهم به من نعيم العيش ، من غير استحقاق منهم ذلك عليه ، و مع ما نبههم عليه و دعاهم إليه ، من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم ، فلربنا الحمد على ذلك كله أولا و آخرا .

[ و قال ابن جرير : الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه و في ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال : قولوا : الحمد لله ] .

قال : و قد قيل : إن قول القائل : ( الحمد لله ، ثناء عليه بأسمائه و صفاته الحسنى ، و قوله : الشكر لله ثناء عليه بنعمه و أياديه ، ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد و الشكر مكان الآخر .

[ و قد نقل السلمي هذا المذهب أنهما سواء عن جعفر الصادق و ابن عطاء من الصوفية . و قال ابن عباس : الحمد لله كلمة كل شاكر ، و قد استدل القرطبي لابن جرير بصحة قول القائل : الحمد لله شكرا ] .

و هذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر ؛ لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة و المتعدية ، و الشكر لا يكون إلا على المتعدية ، و يكون بالجنان و اللسان و الأركان ، كما قال الشاعر :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي و لساني و الضمير المحجبا

و لكنهم اختلفوا : أيهما أعم ، الحمد أو الشكر ؟ على قولين ، و التحقيق أن بينهما عموما و خصوصا ، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه ؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة و المتعدية ، تقول : حمدته لفروسيته و حمدته لكرمه . و هو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول ، و الشكر أعم من حيث ما يقعان عليه ، لأنه يكون بالقول و العمل و النية ، كما تقدم ، و هو أخص ؛ لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية ، لا يقال : شكرته لفروسيته ، و تقول : شكرته على كرمه و إحسانه إلي . هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين ، و الله أعلم .

و قال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري : الحمد نقيض الذم ، تقول : حمدت الرجل أحمده حمدا و محمدة ، فهو حميد و محمود ، و التحميد أبلغ من الحمد ، و الحمد أعم من الشكر .
و قال في الشكر : هو الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف ، يقال : شكرته ، و شكرت له . و باللام أفصح .

[ و أما المدح فهو أعم من الحمد ؛ لأنه يكون للحي و للميت و للجماد - أيضا - كما يمدح الطعام و المال و نحو ذلك ، و يكون قبل الإحسان و بعده ، و على الصفات المتعدية و اللازمة أيضا فهو أعم ] .

ذكر أقوال السلف في الحمد

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو معمر القطيعي ، حدثنا حفص ، عن حجاج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، ما ، قال : قال عمر : قد علمنا سبحان الله ، و لا إله إلا الله ، فما الحمد لله ؟
فقال علي : كلمة رضيها الله لنفسه .

و رواه غير أبي معمر ، عن حفص ، فقال : قال عمر لعلي ، و أصحابه عنده : لا إله إلا الله ، و سبحان الله ، و الله أكبر ، قد عرفناها ، فما الحمد لله ؟
قال علي : كلمة أحبها [ الله ] لنفسه ، و رضيها لنفسه ، و أحب أن تقال .

و قال علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، قال :
قال ابن عباس : الحمد لله كلمة الشكر ، و إذا قال العبد : الحمد لله ، قال : شكرني عبدي . رواه ابن أبي حاتم .

و روى - أيضا - هو و ابن جرير ، من حديث بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : أنه قال : الحمد لله هو الشكر لله و الاستخذاء له ، و الإقرار له بنعمه و هدايته و ابتدائه و غير ذلك .

و قال كعب الأحبار : الحمد لله ثناء الله . و قال الضحاك : الحمد لله رداء الرحمن . و قد ورد الحديث بنحو ذلك .

قال ابن جرير : حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثني عيسى بن إبراهيم ، عن موسى بن أبي حبيب ، عن الحكم بن عمير ، و كانت له صحبة قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : إذا قلت : الحمد لله رب العالمين ، فقد شكرت الله ، فزادك .

و قد روى الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا روح ، حدثنا عوف ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، قال : قلت : يا رسول الله ، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي ، تبارك و تعالى ؟
فقال : أما إن ربك يحب الحمد .

و رواه النسائي ، عن علي بن حجر ، عن ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، به .

و روى الترمذي ، و النسائي و ابن ماجه ، من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير ، عن طلحة بن خراش ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أفضل الذكر لا إله إلا الله.
و أفضل الدعاء الحمد لله .
و قال الترمذي : حسن غريب .

و روى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ .
و قال القرطبي في تفسيره ، و في نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال : الحمد لله ، لكان الحمد لله أفضل من ذلك .
قال القرطبي و غيره : أي لكان إلهامه الحمد لله أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا ؛ لأن ثواب الحمد لا يفنى و نعيم الدنيا لا يبقى ، قال الله تعالى :
{ المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} [ الكهف : 46 ] .
و في سنن ابن ماجه عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثهم : أن عبدا من عباد الله قال :
يا رب ، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك ، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها ، فصعدا إلى السماء فقالا: يا رب ، إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها ، قال الله - و هو أعلم بما قال عبده : ماذا قال عبدي ؟
قالا: يا رب إنه قد قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك . فقال الله لهما : اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها .

و حكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا : قول العبد : الحمد لله رب العالمين ، أفضل من قول : لا إله إلا الله ؛ لاشتمال " الحمد لله رب العالمين " على التوحيد مع الحمد ، و قال آخرون : لا إله إلا الله أفضل لأنها الفصل بين الإيمان و الكفر ، و عليها يقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله كما ثبت في الحديث المتفق عليه.
و في الحديث الآخر في السنن : أفضل ما قلت أنا و النبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
و قد تقدم عن جابر مرفوعا : أفضل الذكر لا إله إلا الله ، و أفضل الدعاء الحمد لله . و حسنه الترمذي .

و الألف و اللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد ، و صنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث :
اللهم لك الحمد كله ، و لك الملك كله ، و بيدك الخير كله ، و إليك يرجع الأمر كله. الحديث .

رب العالمين و الرب هو : المالك المتصرف ، و يطلق في اللغة على السيد ، و على المتصرف للإصلاح ، و كل ذلك صحيح في حق الله تعالى .

[ و لا يستعمل الرب لغير الله ، بل بالإضافة تقول : رب الدار ، رب كذا ، و أما الرب فلا يقال إلا لله عز و جل ، و قد قيل : إنه الاسم الأعظم ] .
و العالمين : جمع عالم ، [ و هو كل موجود سوى الله عز و جل ] ، و العالم جمع لا واحد له من لفظه ، و العوالم أصناف المخلوقات [ في السماوات و الأرض ] في البر و البحر ، و كل قرن منها و جيل يسمى عالما أيضا .

قال بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] الحمد لله الذي له الخلق كله ، السماوات و الأرضون ، و من فيهن و ما بينهن ، مما نعلم ، و ما لا نعلم .

و في رواية سعيد بن جبير ، و عكرمة ، عن ابن عباس :
رب الجن و الإنس .
و كذلك قال سعيد بن جبير ، و مجاهد و ابن جريج ، و روي عن علي [ نحوه ] .
و قال ابن أبي حاتم : بإسناد لا يعتمد عليه .

و استدل القرطبي لهذا القول بقوله : ( ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] و هم الجن و الإنس .
و قال الفراء و أبو عبيدة : العالم عبارة عما يعقل و هم الإنس و الجن و الملائكة و الشياطين و لا يقال للبهائم : عالم.
و عن زيد بن أسلم و أبي عمرو بن العلاء : كل ما له روح يرتزق .
و ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم - و هو آخر خلفاء بني أمية و يعرف بالجعد و يلقب بالحمار - أنه قال :
خلق الله سبعة عشر ألف عالم أهل السماوات و أهل الأرض عالم واحد و سائر ذلك لا يعلمه إلا الله ، عز و جل .

و قال قتادة : رب العالمين ، كل صنف عالم .
و قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى رب العالمين قال :
الإنس عالم ، و الجن عالم ، و ما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم ، أو أربعة عشر ألف عالم ، هو يشك ، من الملائكة على الأرض ، و للأرض أربع زوايا ، في كل زاوية ثلاثة آلاف عالم ، و خمسمائة عالم ، خلقهم [ الله ] لعبادته . رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم .

[ و هذا كلام غريب يحتاج مثله إلى دليل صحيح ] .

و قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الفرات ، يعني ابن الوليد ، عن معتب بن سمي ، عن تبيع ، يعني الحميري ، في قوله : رب العالمين قال : العالمين ألف أمة فستمائة في البحر ، و أربعمائة في البر .

[ وحكي مثله عن سعيد بن المسيب ] .

و قد روي نحو هذا مرفوعا كما قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى في مسنده :

حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبيد بن واقد القيسي ، أبو عباد ، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال :
قل الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها فسأل عنه ، فلم يخبر بشيء ، فاغتم لذلك ، فأرسل راكبا يضرب إلى اليمن ، و آخر إلى الشام ، و آخر إلى العراق ، يسأل : هل رئي من الجراد شيء أم لا ؟
قال : فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد ، فألقاها بين يديه ، فلما رآها كبر ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
خلق الله ألف أمة ، ستمائة في البحر و أربعمائة في البر ، فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد ، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه . محمد بن عيسى هذا - و هو الهلالي - ضعيف .

و حكى البغوي عن سعيد بن المسيب أنه قال : لله ألف عالم ؛ ستمائة في البحر و أربعمائة في البر ، و قال وهب بن منبه : لله ثمانية عشر ألف عالم ؛ الدنيا عالم منها .
و قال مقاتل : العوالم ثمانون ألفا .
و قال كعب الأحبار : لا يعلم عدد العوالم إلا الله عز و جل . نقله كله البغوي ، و حكى القرطبي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : إن لله أربعين ألف عالم ؛ الدنيا من شرقها إلى مغربها عالم واحد منها.
و قال الزجاج : العالم كل ما خلق الله في الدنيا و الآخرة .
قال القرطبي : و هذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين ، كقوله : قال فرعون و ما رب العالمين قال رب السماوات و الأرض و ما بينهما إن كنتم موقنين و العالم مشتق من العلامة ( قلت ) : لأنه علم دال على وجود خالقه و صانعه و وحدانيته كما قال ابن المعتز :

فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد و في كل شيء له آية تدل على أنه واحد


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس