عرض مشاركة واحدة
قديم 09-19-2014 ~ 10:55 PM
افتراضي رد: حق الله على العباد، وحق العباد على الله
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 2
 
مجموعة إدارية
تاريخ التسجيل : Nov 2012
معدل تقييم المستوى : 10
وردة الكاردينيا is a jewel in the roughوردة الكاردينيا is a jewel in the roughوردة الكاردينيا is a jewel in the roughوردة الكاردينيا is a jewel in the rough


وهذه العبادة إذا مارسها العبد بمعناها الشامل وجد سعادة لا تضاهيها سعادة، يقول ابن تيمية - رحمه الله-: (وهكذا كلما أخلص المرء العبودية لله وجد نفسه، واهتدى إلى سر وجوده، ووجد مع ذلك سعادة روحية لا تدانيها سعادة، تتمثل فيما سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم-: حلاوة الإيمان).

ويقول ابن القيم - رحمه الله تعالى-: (إنه لا شيء أحب إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليها، ومولاها، وربها، ومدبرها، ورازقها ومميتها ومحييها، فمحبته نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفوس، وقوت القلوب، ونور العقول، وقرة العيون، وعمارة الباطن، فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة، والعقول الزاكية أحلى ولا ألذّ، ولا أطيب، ولا أسر، ولا أنعم من محبته، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كل حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك أتم من كل نعيم، واللذة التي تناله أعلى من كل لذة، حتى قال قائلهم: إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب).

الثالثة: يخطئ أصناف من الناس في فهم العبادة على وجهها الشرعي الصحيح، أعرض لنموذجين منها:

الأول: الذين يدعون المغالاة في حب الله تعالى، حتى إن بعضهم أخرج نفسه من دائرة البشرية، وأدخلها في الربوبية، التي لا تصلح إلا لله - سبحانه وتعالى-، كمن يدعي أموراً تتجاوز حدود الأنبياء والمرسلين، مثل علم الغيب، أو الالتقاء بالرسل، أو مشاهدة الله - عز وجل-، وهذا لا شك أنه أخطأ الطريق، وحاد عن الصواب، وتجاوز حدوده.

يقول العلامة ابن تيمية - رحمه الله تعالى-: وهذا باب وقع فيه كثير من الشيوخ - يعني المتصوفة - وسببه ضعف تحقيق العبودية لله - عز وجل- التي بينها الرسل، وحرّرها الأمر والنهي، الذي جاءوا به، بل ضعف العقل الذي به يعرف العبد حقيقته، وإذا ضعف العقل، وقلّ العلم بالدين، وفي النفس محبة طائشة جاهلة، انبسطت النفس بحمقها في ذلك). اهـ.

والآخر: وهم من عرفوا العبادة بأنها أداء الشعائر التعبدية فقط، كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والذكر، ونحو ذلك، فتراهم يقومون بهذه الأمور، ولكن إذا خرجوا لحياتهم العملية في ممارسة الحياة الاقتصادية - مثلاً - لا يعرف حلالاً أو حراماً، فيتعاملون بألوان المعاملات المحرمة، كالغش في المعاملات، والربا، والكذب في البيع والشراء، والخديعة، وغير ذلك، فلا رادع في ضمائرهم يردعهم، ويدّعون أن هذا كله ليس من العبادة، ولا دخل لها في هذه الأشياء، وإذا خرجوا للحياة الاجتماعية، والآداب العامة، تراهم يسلكون فيها مشارب مختلفة، كمن يمارس بعض المحرمات، كالكذب، والغيبة، والنميمة، وغيرها، ويفصلها في حياته عن العبادة، ومنهم من إذا خرج للحياة العلمية، والثقافية، والفكرية، فصلها فصلاً واضحاً عن عبادة الله - جل وعلا-، ولم يعلم أن العلم في الإسلام كالحياة للإنسان، فلا بد للمسلم أن يسخّر فكره، وعلمه، وقلمه لهذا الدين، حتى تكون هذه الأمور عبادة يتقرب بها العبد لمعبوده سبحانه، ومن يخالف هذا يكون أخطأ في فهم العبادة، وقصرها على أعمال معينة فحسب.

فهذان صنفان من الناس يخطئون في فهم العبادة في الإسلام.


والأصل أن حياة المسلم علمية كانت أم اجتماعية، سياسية أم اقتصادية، أخلاقية أم سلوكية، كلها عبادة لله - سبحانه وتعالى-، فعليه أن يسخرها لذلك، حتى يظفر بالغاية العظمى من تلك العبادة، التي هي كل السعادة في الدنيا والآخرة.

الوقفة الثالثة: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً).

ومعنى ذلك أن من قام بحق الله تعالى عليه، فالله - سبحانه وتعالى- أوجب على نفسه أن لا يعذبه، ووعده متحقق لا محالة؛ لأنه قد وعدهم ذلك؛ جزاء لهم على توحيده، والله لا يخلف الميعاد، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: " كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام وفضل، ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق".

الوقفة الرابعة: في قول معاذ -رضي الله عنه-: (كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم- على حمار، فقال لي..) الحديث.

تواضع الرسول - صلى الله عليه وسلم- حيث كان راكباً على حمار، وهو من هو في المكانة والقدر، فهو أفضل البشر على الإطلاق، وأكرمهم على الله تعالى، ومع ذلك يفعل ما يفعله الناس تماماً، فيأكل ما يأكلون، ويشرب مما يشربون، ويركب ما يركبون، ويزيد الأمر كونه أردف معه غيره، وهذان الأمران خلاف ما عليه كثير من الناس اليوم، ممن أنعم الله عليهم بنعمه، وزادهم من أفضاله، فظنوا أنهم زادوا على غيرهم منزلة معينة، سواء كانوا أصحاب أموال، أو جاه، أو رئاسة، ونحوها، فيغترون بما أعطاهم الله - سبحانه وتعالى-، فيصيبهم الكبر والبطر، حتى أن بعضاً منهم يزيد على ذلك بظلم الآخرين، ويتجاوز حدوده، وهذا كله فيه خطر عظيم.

الوقفة الخامسة: وفي قول معاذ أيضاً: (كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال لي: يا معاذ..).

استغلال الوقت بما يفيد، فالمعلم مرشد ومؤتمن، عليه أن يستغل الفرص المناسبة؛ ليوصل ما لديه من فائدة وعلم لتلاميذه، فالرسول - صلى الله عليه وسلم- استغل فرصة وجود معاذٍ ليزفّ إليه هذه البشرى العظيمة، ولفرط سعادة معاذ وفرحه الشديد بهذه الفائدة الجليلة يطلب من معلّمه الرسول - صلى الله عليه وسلم- أن يتولى تبصير الناس بها: (أفلا أبشّر الناس)..

إن على المعلم مسؤولية كبرى تجاه الأجيال الذين يتولى تعليمهم وتربيتهم، بأن ينصح لهم، ويوجههم إلى ما يفيدهم وينفعهم في دينهم ودنياهم، وعليه أن لا يبخل عليهم بما أعطاه الله تعالى من علم وخبرة وتجربة.

الوقفة السادسة: قوله: (أفلا أبشر الناس؟...).

استنبط منها أهل العلم استحباب بشارة المسلم بما يسره وبخاصة إذا كان نفعه متعديًا في الدنيا والآخرة، فالصحابة -رضي الله عنهم- لم تكن من صفاتهم الأنانية وحب الذات، بل كانوا يسارعون إلى بشارة بعضهم البعض؛ ليستفيد الجميع من ذلك.



في امان الله
  رد مع اقتباس