عرض مشاركة واحدة
قديم 02-13-2021 ~ 06:42 PM
افتراضي
  ãÔÇÑßÉ ÑÞã 6
 
الصورة الرمزية جاروط
 
الإدارة
تاريخ التسجيل : Aug 2014
معدل تقييم المستوى : 10
جاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really niceجاروط is just really nice


ابن كثير

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة : 5]

قرأ السبعة و الجمهور بتشديد الياء من إياك.
و قرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر و هي قراءة شاذة مردودة ؛ لأن إيا ضوء الشمس .
و قرأ بعضهم : أياك بفتح الهمزة و تشديد الياء.
و قرأ بعضهم : هياك بالهاء بدل الهمزة ، كما قال الشاعر :

فهياك و الأمر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره

و نستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب و الأعمش فإنهما كسراها و هي لغة بني أسد و ربيعة و بني تميم و قيس ] .
العبادة في اللغة من الذلة ، يقال : طريق معبد ، و بعير معبد ، أي : مذلل.
و في الشرع : عبارة عما يجمع كمال المحبة و الخضوع و الخوف .

و قدم المفعول و هو إياك ، و كرر ؛ للاهتمام و الحصر ، أي : لا نعبد إلا إياك ، و لا نتوكل إلا عليك ، و هذا هو كمال الطاعة .
و الدين يرجع كله إلى هذين المعنيين ، و هذا كما قال بعض السلف :
الفاتحة سر القرآن ، و سرها هذه الكلمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ]
فالأول تبرؤ من الشرك ، و الثاني تبرؤ من الحول و القوة ، و التفويض إلى الله عز و جل .
و هذا المعنى في غير آية من القرآن ، كما قال تعالى :
( فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون ) [ هود : 123 ]
( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) [ الملك : 29 ]
( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ].
و كذلك هذه الآية الكريمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين .

و تحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب ، و هو مناسبة ، لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب و حضر بين يدي الله تعالى ؛ فلهذا قال :
( إياك نعبد وإياك نستعين)
و في هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى ، و إرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ؛ و لهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك ، و هو قادر عليه ، كما جاء في الصحيحين ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
و في صحيح مسلم ، من حديث العلاء بن عبد الرحمن ، مولى الحرقة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يقول الله تعالى :
قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل ، إذا قال العبد :
( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ]
قال : حمدني عبدي.
و إذا قال : ( الرحمن الرحيم ) [ الفاتحة : 3 ]
قال : أثنى علي عبدي.
فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ]
قال الله : مجدني عبدي .
و إذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ]
قال : هذا بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل.
فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [ الفاتحة : 6 ، 7 ]
قال : هذا لعبدي و لعبدي ما سأل .
و قال الضحاك ، عن ابن عباس : إياك نعبد يعني : إياك نوحد و نخاف و نرجو يا ربنا لا غيرك و إياك نستعين على طاعتك و على أمورنا كلها .

و قال قتادة : إياك نعبد و إياك نستعين يأمركم أن تخلصوا له العبادة و أن تستعينوه على أمركم .

و إنما قدم : ( إياك نعبد على وإياك نستعين لأن العبادة له هي المقصودة ، و الاستعانة وسيلة إليها ، و الاهتمام و الحزم هو أن يقدم ما هو الأهم فالأهم) و الله أعلم .

فإن قيل : فما معنى النون في قوله : ( إياك نعبد وإياك نستعين) فإن كانت للجمع فالداعي واحد ، و إن كانت للتعظيم فلا تناسب هذا المقام ؟
و قد أجيب : بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد و المصلي فرد منهم ، و لا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم ، فأخبر عن نفسه و عن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها ، و توسط لهم بخير.
و منهم من قال : يجوز أن تكون للتعظيم ، كأن العبد قيل له : إذا كنت في العبادة فأنت شريف و جاهك عريض فقل : ( إياك نعبد وإياك نستعين)
و إذا كنت خارج العبادة فلا تقل : نحن و لا فعلنا ، و لو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لافتقار الجميع إلى الله عز و جل .
و منهم من قال : ألطف في التواضع من إياك أعبد ، لما في الثاني من تعظيمه نفسه من جعله نفسه وحده أهلا لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ، و لا يثني عليه كما يليق به ، و العبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى ، كما قال بعضهم :

لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي

و قد سمى الله رسوله بعبده في أشرف مقاماته [ فقال ] الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) [ الكهف : 1 ]
( وأنه لما قام عبد الله يدعوه ) [ الجن : 19 ]
( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) [ الإسراء : 1 ]
فسماه عبدا عند إنزاله عليه و قيامه في الدعوة و إسرائه به ، و أرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين له ، حيث يقول :
( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ الحجر : 97 - 99 ] .

و قد حكى فخر الدين في تفسيره عن بعضهم :
أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة ؛ لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق و الرسالة من الحق إلى الخلق.
قال : و لأن الله متولي مصالح عبده ، و الرسول متولي مصالح أمته و هذا القول خطأ ، و التوجيه أيضا ضعيف لا حاصل له ، و لم يتعرض له فخر الدين بتضعيف و لا رده .
و قال بعض الصوفية : العبادة إما لتحصيل ثواب و رد عقاب ؛ قالوا : و هذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده ، و إما للتشريف بتكاليف الله تعالى ، و هذا - أيضا - عندهم ضعيف ، بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال ، قالوا : و لهذا يقول المصلي : أصلي لله ، و لو كان لتحصيل الثواب و درء العذاب لبطلت صلاته .
و قد رد ذلك عليهم آخرون و قالوا : كون العبادة لله عز و جل ، لا ينافي أن يطلب معها ثوابا ، و لا أن يدفع عذابا ، كما قال ذلك الأعرابي : أما إني لا أحسن دندنتك و لا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة و أعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه و سلم : حولها ندندن .


ÊæÞíÚ




  رد مع اقتباس