الاقتباس من القرآن الكريم
الاقتباس من القرآن الكريم 1
********************* فَصْلٌ فِي الِاقْتِبَاسِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ الِاقْتِبَاسُ تَضْمِينُ الشِّعْرِ أَوِ النَّثْرِ بَعْضَ الْقُرْآنِ لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ بِأَلَّا يُقَالَ فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَحْوُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ اقْتِبَاسًا. وَقَدِ اشْتُهِرَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ تَحْرِيمُهُ وَتَشْدِيدُ النَّكِيرِ عَلَى فَاعِلِهِ. وَأَمَّا أَهْلُ مَذْهَبِنَا فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَلَا أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ شُيُوعِ الِاقْتِبَاسِ فِي أَعْصَارِهِمْ وَاسْتِعْمَالِ الشُّعَرَاءِ لَهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فَسُئِلَ عَنْهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ ابن عَبْدِ السَّلَامِ فَأَجَازَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ: "إِلَى آخِرِهِ. وَقَوْلِهِ: "اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانَا اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ ". وَفِي سِيَاقِ كَلَامٍ لِأَبِي بَكْرٍ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} . وَفِي آخِرِ حَدِيثٍ لِابْنِ عُمَرَ: "قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ". انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ فِي مقام الموعظ وَالثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ وَفِي النَّثْرِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِهِ فِي الشِّعْرِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ صَرَّحَ بِأَنَّ تَضْمِينَهُ فِي الشِّعْرِ مَكْرُوهٌ وَفِي النَّثْرِ جَائِزٌ. وَاسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا فِي النَّثْرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْ خُطْبَةِ الشِّفَا. وَقَالَ الشَّرَفُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُقْرِئِ الْيَمَنِيُّ صَاحِبُ مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ فِي شَرْحِ بَدِيعِيَّتِهِ: مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ وَمَدْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وآله وصحبه وَلَوْ فِي النَّظْمِ فَهُوَ مَقْبُولٌ، وَغَيْرُهُ مَرْدُودٌ. وَفِي شَرْحِ بَدِيعِيَّةِ ابْنِ حُجَّةَ: الِاقْتِبَاسُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَقْبُولٌ، وَمُبَاحٌ، وَمَرْدُودٌ. فَالْأَوَّلُ: مَا كَانَ فِي الْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْعُهُودِ. وَالثَّانِي: مَا كَانَ فِي الْقَوْلِ وَالرَّسَائِلِ وَالْقِصَصِ. وَالثَّالِثُ: عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا نَسَبَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ - وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ يَنْقُلُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا قِيلَ عَنْ أَحَدِ بَنِي مَرْوَانَ أَنَّهُ وَقَّعَ عَلَى مُطَالَعَةٍ فِيهَا شِكَايَةُ عُمَّالِهِ: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} - وَالْآخَرُ تَضْمِينُ آيَةٍ فِي مَعْنَى هَزْلٍ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، كقوله: أوحى إِلَى عُشَّاقِهِ طَرْفَهُ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ وَرِدْفُهُ يَنْطِقُ مِنْ خَلْفِهِ لِمِثْلِ ذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ قُلْتُ: وَهَذَا التَّقْسِيمُ حَسَنٌ جِدًّا وَبِهِ أَقُولُ ♕ الاتقان في علوم القرآن |
الاقتباس من القرآن الكريم 2
*********************** وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ فِي طَبَقَاتِهِ فِي تَرْجَمَةِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ الطَّاهِرِ التَّمِيمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَجِلَّائِهِمْ أَنَّ مِنْ شِعْرِهِ قَوْلَهُ: يَا من عدا ثُمَّ اعْتَدَى ثُمَّ اقْتَرَفْ ثُمَّ انْتَهَى ثُمَّ ارْعَوَى ثُمَّ اعْتَرَفْ أَبْشِرْ بِقَوْلِ اللَّهِ فِي آيَاتِهِ: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفْ وَقَالَ: اسْتِعْمَالُ مِثْلِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ مِثْلَ هَذَا الِاقْتِبَاسِ فِي شِعْرِهِ لَهُ فَائِدَةٌ فَإِنَّهُ جَلِيلُ الْقَدْرِ وَالنَّاسُ يَنْهَوْنَ عَنْ هَذَا وَرُبَّمَا أَدَّى بَحْثُ بَعْضِهِمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَفْعَلُهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَيَثِبُونَ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَثْبَةَ مَنْ لَا يُبَالِي وَهَذَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَقَدْ فَعَلَ هَذَا وَأَسْنَدَ عَنْهُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ. قُلْتُ: لَيْسَ هَذَانِ الْبَيْتَانِ مِنْ الِاقْتِبَاسِ لِتَصْرِيحِهِ بِقَوْلِ اللَّهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْهُ. وَأَمَّا أَخُوهُ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ فَقَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ الْوَرَعُ اجْتِنَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَنْ يُنَزَّهَ عَنْ مِثْلِهِ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قُلْتُ: رَأَيْتُ اسْتِعْمَالَ الِاقْتِبَاسِ لِأَئِمَّةٍ أَجِلَّاءَ مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الرَّافِعِيُّ، قَالَ وَأَنْشَدَهُ فِي أَمَالِيهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ: الْمُلْكُ لِلَّهِ الَّذِي عَنَتِ الْوُجُوهُ لَهُ وَذَلَّتْ عِنْدَهُ الْأَرْبَابُ مُتَفَرِّدٌ بِالْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ تَجَاذَبُوهُ وَخَابُوا دَعْهُمْ وَزَعْمَ الْمُلْكِ يَوْمَ غُرُورِهِمْ فَسَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ! وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ أَنْشَدَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ لِنَفْسِهِ: سَلِ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وَاتَّقِهِ فَإِنَّ التُّقَى خَيْرُ مَا تَكْتَسِبُ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَصْنَعْ لَهُ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَيَقْرُبُ مِنْ الِاقْتِبَاسِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهَا الْكَلَامُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ: ذَكَرَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا اخْتِلَافًا فَرَوَى النَّخَعِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُتَأَوَّلَ الْقُرْآنُ لِشَيْءٍ يَعْرِضُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِمَكَّةَ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ} ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} . وَأَخْرَجَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُحَكِّمَةِ أَتَى عَلِيًّا وَهُوَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} فَأَجَابَهُ فِي الصَّلَاةِ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} . انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُكَرَهُ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ فِي الْقُرْآنِ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْعِمَادُ الْبَيْهَقِيُّ تِلْمِيذُ الْبَغَوِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الصَّلَاحُ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ. الثَّانِي: التَّوْجِيهُ بِالْأَلْفَاظِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي الشِّعْرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا شَكٍّ، وَرُوِّينَا عَنِ الشَّرِيفِ تَقِيِّ الدِّينِ الْحُسَيْنِيِّ أَنَّهُ لَمَّا نَظَمَ قَوْلَهُ: مَجَازٌ حَقِيقَتُهَا فَاعْبُرُوا وَلَا تَعْمُرُوا هَوِّنُوهَا تَهُنْ وَمَا حُسْنُ بَيْتٍ لَهُ زُخْرُفٌ تَرَاهُ إِذَا زُلْزِلَتْ لَمْ يَكُنْ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ ارْتَكَبَ حَرَامًا لِاسْتِعْمَالِهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْقُرْآنِيَّةَ فِي الشِّعْرِ فَجَاءَ إِلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْشَدَهُ إِيَّاهُمَا فَقَالَ لَهُ: قُلْ: "وَمَا حُسْنُ كَهْفٍ " فَقَالَ: يَا سَيِّدِي أَفَدْتَنِي وَأَفْتَيْتَنِي. خَاتِمَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: لَا يَجُوزُ تَعَدِّي أَمْثِلَةِ الْقُرْآنِ: وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ عَلَى الْحَرِيرِيِّ قَوْلَهُ: "فَأَدْخَلَنِي بَيْتًا أَحْرَجَ مِنَ التَّابُوتِ وَأَوْهَى مِنْ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ ". وَأَيُّ مَعْنًى أَبْلَغُ مِنْ مَعْنًى أَكَّدَهُ اللَّهُ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ حَيْثُ قَالَ: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} فَأَدْخَلَ "إِنَّ" وَبَنَى أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَبَنَاهُ مِنَ الْوَهْنِ وَأَضَافَهُ إِلَى الْجَمْعِ وَعَرَّفَ الْجَمْعَ بِاللَّامِ وَأَتَى فِي خَبَرِ "إِنَّ" بِاللَّامِ. لَكِنِ اسْتَشْكَلَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} ، وَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَثَلَ بِمَا دُونَ الْبَعُوضَةِ فَقَالَ: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ... ". قُلْتُ: قَدْ قَالَ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَمَا فَوْقَهَا} فِي الْخِسَّةِ. وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: مَعْنَاهُ: "فَمَا دونها " فزال الإشكال. انتهي ♕ الاتقان في علوم القرآن |
الساعة الآن 07:01 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
منتديات حزن العشاق